اعملوا فكلٌّ ميسر لما خُلق له، أمَّا من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأمَّا من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاء، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} الآية " "
إيراد المصنف ـ رحمه الله ـ لحديث علي رضي الله عنه هذا عقب تقريره لمسألة القدر دال على دقة علمه وجودة ترتيبه؛ لأنَّه إذا آمن العبد بالقدر بمراتبه الأربعة، واعتقد أنَّ الله علم جميع الأمور في الأزل، وأنَّه كتبها في اللوح المحفوظ، وأنَّها لا يمكن أن تقع إلا بمشيئته، وأنَّها مخلوقة لله تبارك وتعالى بما في ذلك أفعال العباد، فإنَّ ثمة سؤالاً عظيماً يرد على بال كلِّ مؤمن في هذا المقام، ألا وهو: فيم العمل؟ ولماذا يعمل العبد وينشط ويجتهد مادام أنَّ القلم جف بما هو كائن، والمقادير كتبت قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة؟
هذا سؤال عظيم ومثمر، وطرحه مفيد، ومازال الناس يطرحونه عند سماعهم تقرير مسائل القدر التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، ومن يتأمل في أجوبة الناس عنه يجد تبايناً في الأفهام، وانحرافات في الأفكار والتصورات والتقريرات، حتى إنَّ بعضهم يصل به الحال في هذا المقام إلى أن ينكر أموراً من القدر، بحثاً عن جواب لهذا السؤال.
والمصنف ـ رحمه الله ـ أتى بهذا الحديث ليجيب به عن هذا السؤال.
فالصحابة رضوان الله عليهم ورد في أذهانهم هذا السؤال، وسألوا عنه غير مرة، سأله غير واحد من الصحابة، وفي كلِّ مرة يجيبهم صلى الله عليه وسلم بكلمة موجزة، لكنها كبيرة الفائدة عظيمة النفع، يجيبهم بقوله: " اعملوا، فكل ميسر لما خلق له ".
وعندما يتأمل المسلم هذا الجواب العظيم يجده شافياً كافياً وافياً لمن منَّ الله