ومع هذه اللفتة الكريمة من ابن مسعود رضي الله عنه، ومع علم المسلمين قاطبة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إلا أنَّ القدرية النفاة ردوا هذا الحديث؛ لأنَّه يناقض أصلهم الفاسد في نفي القدر، وبالغوا مبالغة شديدة شنيعة في رده، حتى إنَّه لما ذكر لعمرو بن عبيد ـ رئيس المعتزلة ـ قال:""لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته أو قال: لما أحببته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله ما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقنا " [1]. فانظر إلى هذه الوقاحة الشنيعة من رؤوس البدع تجاه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر ليس غريباً على صاحب الهوى عندما يظلم فؤاده بالهوى ويكتنفه الضلال ويحتوشه الباطل.
" إنَّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك " هذا فيه مراحل تكون الجنين في رحم الأم، وأنَّه أولاً يكون نطفة وهي قطرة المني التي تستقر في رحم الأنثى. ثم تتحول إلى علقة، وهي القطعة الصغيرة من الدم. ثم تتحول إلى مضغة، وهي قطعة صغيرة من اللحم. ثم تبدأ تتفتق منها الأعضاء، وهذا حال جميع الناس، فتبارك الله أحسن الخالقين.
" ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات " هذه الكلمات الأربعة يكتبها الملك لكلِّ جنين في هذه المرحلة من تكوينه في رحم أمه.
" يكتب رزقه " وهو كلُّ ما سيطعمه ويشربه ويتغذى به في هذه الحياة إلى أن يموت. [1] انظر: تاريخ الإسلام " وفيات 141 ـ 160 " " ص238 ـ239 "