لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [1]، ونهى في موضع آخر عن توليهم مبيناً سبب التنفير منه، وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور} [2]. وبين في موضع آخر أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [3]: فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكلّ الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً، وإيضاح الكلام: لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم بقدر المداراة التي يتقى بها شرهم. ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة:
ومن يأت الأمور على اضطرار
فليس كمثل آتيها اختياراً
ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم" [4].
وهذا الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- أورد نحوه الإمام ابن جرير الطبري[5] - [1] سورة المائدة، الآيتان [80-81] . [2] سورة الممتحنة، الآية [13] . [3] سورة آل عمران، الآية [28] . [4] أضواء البيان 2/110-111.
وانظر تفصيل ذلك أيضاً في: المصدر نفسه 2/431، 484، 7/229، 824. ومعارج الصعود ص144. [5] أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ وتهذيب الآثار. إمام ثقة حافظ. ولد سنة (240?) ، وتوفي في بغداد سنة (310?) .
(انظر: البداية والنهاية 11/156، وسير أعلام النبلاء 14/267) .