حقيقة العبادة في الإسلام:
وبعد أن تقرر أن العبادة هي الوظيفة الأولى والأساسية للإنسان في هذه الحياة بأتي تقرير معنى العبادة التي شرعها الله لنا، وتحديد مجالاتها وصفاتها.
ذلك أن العبادة ليست في حياة الإنسان أمراً هامشياً، أو قضية ثانوية، بل إنها هي المبدأ الأول لوجوده، والغاية الأصلية لحياته.
وقد ساد بين الناس مفاهيم خاطئة للعبادة، صرفت عقولهم وقلوبهم وأعمالهم عن هذه الوظيفة التشريفية التي خلق الله الإنسان من أجلها، وسخر له كل شيء في نفسه وفي الكون حوله، ليقوم بها وفق أمر خالقه، وعند تأمل القرآن الكريم والسنة النبوية وما تحويه من أخبار وأوامر ونواهي ووعد ووعيد، نجد أنها كلها تدور حول تقرير ألوهية الله - سبحانه وتعالى - وعبودية الإنسان له.
فإذا كان خلق الإنسان وتسخير الكون له، وإيجاد العقل والقلب والإرادة فيه، وإرسال الرسل, وإنزال الكتب وخلق الجنة والنار، وقبل ذلك وبعده ما تقتضيه صفات الباري - جل وعلا - من كونه في ذاته وأفعاله - سبحانه وتعالى - حكيماً عليماً ن خلق كل شيء فقدره تقديراً، لم يخلق شيئاً عبثاً ولم يوجد شيئاً لغير حكمة.
وإذا كان القرآن المجيد، وما فيه من أخبار وأوامر ووعد ووعيد، جاء لأجل هذه المهمة العظيمة، ألا وهي تعبيد الخلق كلهم لله سبحانه.
فكيف يصح حينئذ أن يتصور أن العبادة هي النية النقيدة وحسب، أو أنها الشعائر التعبدية فقط، أو أنها لبعض نشاطات الإنسان دون بعض، أو لبعض أحواله وأفعاله دون بعض.