الاعتصام للشاطبي-رغم اتساعه وطول نفس مؤلفه- فيه تكرار وإطناب وتضارب واختلاط, ولم ينجح في ستر ذلك قدرة مؤلفه على التحليل والتعليل, وتمتعه بأسلوب مؤثر جميل- ثم نقل عن غيره قولاً فيه شطط- فقال: (غير أن سيئاته لا تذهب بها الحسنات, إطنابه ممل, وإيجازه مخل, وخياله غزير, وفي التحقيق مقل, يغتر به من يغرهم زخرف المقال, ويرتضيه من ليس له في ميدان البحث مجال) ولست بصدد الدفاع عن الشاطبي أو تبرير زلاته, وهل يخلو من الزلات بشر؟ ولكن حسن الأدب واجب مع مثل هؤلاء الأئمة الأجلاء, فهل أقول لهذا الكاتب ما قاله الحافظ ابن كثير في الشيخ البكري علي بن يعقوب حين عارض شيخ الإسلام ابن تيمية: (وما مثاله إلا مثال ساقية ضعيفة لا طمت بحراً عظيماً صافياً, أو رملة أرادت زوال جبل....) .
وأختتم بقول شيخ الإسلام ابن تيمية بما لعله يبرئ أسقام الاعتراضات الجافية, قال-رحمه الله-: (من له في الأمة لسان صدق عام, بحيث يثني عليه ويحمد في جماهير الأمة, فهؤلاء هم أئمة الهدى, ومصابيح الدجى, وغلطهم قليل بالنسبة إلى صوابهم, وعامته من موارد الاجتهاد, والتي يعذرون فيها, وهم الذين يتبعون العلم والعدل, فهم بعداء عن الجهل والظلم, وعن إتباع الظن وما تهوى الأنفس..) .
وإني لأحسب الإمام الشاطبي من هذا الصنف- رحمه الله- وأعلى