والمقصود أن الله تعالى أوجب على المسلمين أن يجتمعوا على دين الحق الذي هو الإسلام وأن يعتصموا بكتاب الله تعالى، وأن تكون وحدتهم عليه، فعليه يجتمعون وبه يتحدون، لا بالقوميات والجنسيات، ولا بالمذاهب والأوضاع السياسية التي اخترعوها بأفكارهم القاصرة.
ونهاهم تعالى عن التفرق والانقسام، بعد الاجتماع والاعتصام بكتاب الله تعالى في التفرق من زوال الوحدة التي هي معقد العز والقوَة فبالاجتماع تقوى الأمة، وبالقوة يعتز الحق فيعلو على الباطل، ويحفظ من هجمات المواثبين، ويحمى من كيد الكائدين، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [1] فالإسلام هو سبيله، والعصبيات والقوميات هي السبيل المشتتة التي تؤدي إلى الضعف والهلاك.
والإسلام يأمر بالوفاق، والاتفاق، بين كل من تحكمهم شريعته، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا، وقد بددت العصبيات القبلية العرب قبل الإسلام، فلم يكن لهم شريعة تجمعهم ولا نظام يحكمهم، وحيفي لجئوا إلى الإسلام نالوا به العزة والسيادة، والسعادة ولما سرى سمَّ العصبيات الموبوءة التي نقلها متفرنجة المسلمين إليهم، يخادعون بذلك قومهم موهمين، بأنهم يريدون النهوض بأوطانهم، وإعلاء شأنهم، أصبح الأمر معكوسا فلم يجنوا من ذلك سوى الضعف والتفكك، والتفرق الذي مهد السبيل أمام أعدائهم للاستيلاء على خيرات بلادهم، وعلى أفكارهم، وفي النهاية أصبح أعداؤهم يتحكمون فيهم، وان أوهموهم بأن الأمر بأيديهم.
فالإسلام وحده هو الأساس الذي ينبع منه إيجاد المجتمع المتكامل، المتساند الذي يعمل من أجل خير الجميع، لأن الإسلام يعتبر الفرد هو النواة للجماعة، ولا يعترف بالجماعة إلا إذا كانت لا تعمل على ضمان صالح الفرد.
ومن المتيقن أن المسلمين لن تقوم لهم دولة عزيزة قوية إلا إذا اجتمعوا على ما اجتمع عليه أوائلهم وأسلافهم، الذين فتحوا البلاد بعدل الإسلام وعزته، وفتحوا القلوب لعبادة الله وحده لا شريك له، وبذلك صاروا هم القادة.
ولتكن دويلة اليهود في فلسطين معتبرا لمن يعقل ويعتبر، كيف أصبحت تتحداهم وتهددهم، ولا يستطيعون الإمتناع منها، وليس لذلك سبب سوى انصراف المسلمين عن د ينهم الذي هو مصدر عزهم وقوتهم. [1] الآية 153 من سورة الأنعام.