فقد دلت هذه الآية على أن الصراع بين المسلمين والكفار بدأ من عهد نوح عليه السلام فما زال الصادقون من عباد اللَّه ينهون عن أن يعظم أحد من الخلق تعظيما يليق بالله تعالى، وعن أن تصرف إليه أعمال تقصد منها غاية التعظيم، والذل والتواضع، وهي مختصة بالله تعالى، وظلت الحرب قائمة بين الفريقين على قدم وساق، لم تضع أوزارها.
السجود بجميع أنواعه لا يجوز إلا لله تعالى:
وقال اللَّه تعالى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] .
فقد دلت هذه الآية على أن السجدة من أعظم شعائر العبادة، وهي مختصة بالخالق جل وعلا، فلا تجوز لمخلوق، وقد تساوى في هذه الصفة القمر والشمس، والنبي والولي، ومن قال إنه قد جاز السجود في الأديان القديمة لبعض المخلوقات، ونقل ذلك بالخبر الصحيح، فصح سجود الملائكة لآدم، وسجود يعقوب ليوسف، فلا بأس أن نسجد لشيخ أو ولي، وهذا باطل [1] ، فقد جازت أشياء في الأديان السابقة، وحرمت في ديننا، وقد أبيح النكاح بالأخوات الشقيقات في عهد آدم، فهل يبيح هؤلاء المحتجون بهذه الدلائل أن يتزوج الإخوة أخواتهم؟ .
والأصل أن العبد مكلف بامتثال أمر ربه، فعليه أن يمتثل أمره عن رضا وطواعية نفس، لا يجد في نفسه حرجا مما أمر به، ولا يحاج ولا يتشبث بأمور الأولين وأخبارهم، لأن هذا يؤدي إلى الكفر، ومثل ذلك [1] وقد اتفق علماء الإسلام قديما وحديثا، وكل من يحتج بقوله وعمله من الفقهاء والداعين إلى اللَّه، على أن السجود - سواء سجود العبادة أو سجود التحية والتعظيم - لا يجوز إلا لله تعالى، هذا عدا الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد الاستفاضة، وقد صرح فقهاء المذهب الحنفي، وأئمته بحرمة سجود التحية، وأفتى بعضهم بكفر من يفعل ذلك، قال شمس الأئمة السرخسي في المبسوط: من سجد لغير اللَّه تعالى على وجه التعظيم كفر «وقال العلامة ابن عابدين في رد المحتار ج 5 ص 178:» يكفر بالسجدة مطلقا «، وقال العلامة ابن حجر في» الإعلام بقواطع الإسلام «:» ما يفعله كثيرون من الجهلة الظالمين من السجود بين يدي المشايخ، فإن ذلك حرام قطعا بكل حال، سواء كان للقبلة أو لغيرها، وسواء قصد السجود لله تعالى، أو غفل «وقد جمع الشيخ أحمد رضا خان البريلوي متوفى سنة 1340 هـ، مائة وخمسين نصا فقهيا في حرمة سجود التحية في رسالة» الزبدة الزكية «فلتراجع. وقال الإمام الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي متوفى 1034 هـ، في رسالة له كتبها إلى أحد أصحابه، وقد بلغه أن بعض أصحابه يسجدون له سجدة التحية، فلا يشدد في منعهم عن ذلك، قال رحمه اللَّه:» يا أخي إن السجود الذي هو عبارة عن وضع الجبهة على الأرض يدل على غاية الذل والافتقار، وكمال العجز والتواضع، لذلك حصص هذا النوع من التذلل والتواضع لعبادة اللَّه تعالى، ولم يؤذن به لغير اللَّه « (رسالة عدد 292 إلى السيد محمد نعمان من ضمن رسائل الإمام أحمد السرهندي) .