كان القليل من عمله كثيرًا، ومن هنا وجب على كل إنسان أن لا يدخر وسعًا في تصحيح إيمانه، وأن يكون الحصول عليه، والاستيثاق منه غاية أمله، ونهاية سؤله، لا يعدل به شيئًا، ولا يتأخر فيه دقيقة.
وقد سلك الناس في هذا العصر في الدين طرائق قددًا، وتشعبوا شعبًا، فمنهم من يتمسك بعادات الأولين وتقاليد السابقين، ويعض عليها بالنواجذ، ومنهم من يحتج بحكايات الصالحين، وأساطير الأولين، ومنهم من يتشبث بكلام من تسمى بالعلماء، وامتاز بتشدق اللسان وحدة الذهن، ومنهم من يركض ركائب العقل في هذا الميدان، ويرخي لها العنان [1] .
وكان الأفضل الأعدل أن يرد الإنسان كل ذلك إلى اللَّه ورسوله، فيصدر عما ثبت عنهما، ويتحاكم إليه، ويتخذه بيانًا شافيًا، وحكمًا قاطعا، فيقبل من قصص المشايخ والصالحين، ومن كلام العلماء والوعاظ والمذكرين، ما وافق الأصول والنصوص، وينبذ من الكلام والأحاديث ومن العادات والتقاليد ما خالفها.
تسويلات الشيطان في الصد عن القرآن:
وأما ما اشتهر في العوام أن كلام اللَّه ورسوله من الغموض والدقة بمكان لا يفهمه فيه الناس، ويحتاجون في فهمه إلى علم غزير، ولا قبل لنا بفهم القرآن والحديث، أما العمل بمقتضاه وتطبيقه فلا ينوء به إلا خاصة الخاصة من الذين سمت همتهم، وتزكت نفوسهم من الزهاد [1] مع أن العقائد والشرائع لا تقوم على العقل والقياس، ولا ينفع فيها الذكاء وحدة الذهن، إن مصدرها الوحي والشرع.