نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 146
الإجماع الحادي والعشرون
وأجمعوا على أن الإنسان غير غني عن ربه عز وجل في سائر أوقاته، وعلى الرغبة إليه في المعونة على سائر ما أمر به ممتثلين لما أمرهم به في قوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [1] فلم يفرق بين العبادة وبين الاستعانة[2].
الإجماع الثاني والعشرون
وأجمعوا على أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما علم الله عز وجل أنه لا يفعله[3] وقد نص على ذلك تعالى فيما حكاه عن الخضر في قوله لموسى - عليهما السلام - لما لم يصبر معه {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [4] ولم ينكر موسى قوله، ولا رد عليه ما ذكره[5]. [1] سورة الفاتحة آية (5) . [2] لم يفرق الله عز وجل بين العبادة والاستعانة، لأن العبادة لا تكون إلا لله، والاستعانة لا تكون إلا بالله، والعبد في جميع أحواله وأوقاته محتاج إلى ربه وعونه ومدده، ولا تقع العبادة من العبد إلا بعون الله له وتوفيقه إياه.
وقد قال ابن جرير في قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} "وإياك ربنا نستعين على عبادتنا إياك، وطاعتنا لك، وفي أمورنا كلها لا أحد سواك، وساق بسنده إلى ابن عباس أنه قال: "إياك ربنا نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها". (انظر تفسير الطبري 1/162) .
وقال ابن كثير في الآية: "الأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل، وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ". (انظر تفسير ابن كثير 1/41) . [3] سبق أن نص الأشعري على أن الله سبق في علمه ما يكون في ملكه وأنه كتب ذلك في اللوح المحفوظ، واستدل هنا بقصة الخضر وموسى على ذلك. (انظر ما سبق ذكره في الإجماع السادس عشر وما بعده) . [4] سورة الكهف آية: (75) .
والمراد بالصبر المنفي عنه في الآية هو: نفي حقيقة قدرته على الصبر لا نفي أسباب الصبر وآلاته فإنها ثابتة له. (انظر شرح الطحاوية ص380) . [5] الخضر عبد من عباد الله تعالى كان موجوداً في زمن موسى بن عمران، وقد ذكر أبو حيان أنه كان نبياً، وقال: إن هذا رأي الجمهور. (انظر تفسير البحر المحيط 6/147) .
والذي يعنينا هنا في موضوع الخضر أن نناقش ما ذهب إليه المتصوفة من ادعاء أئمتهم معرفة علم الغيب استناداً إلى ما وقع من الخضر مع موسى، وقصتهما معروفة في القرآن، وكذلك سنتكلم عن حياته وهل هو حي أو مات؟.
والواقع الذي تشهد له النصوص أن الخضر كان على علم علمه الله إياه وهذا العلم جاءه من طريق علام الغيوب سبحانه، ولولا ذلك ما عرف شيئاً، وعليه نقول: إنه لم يشاهد غيباً، ولم يطلع على اللوح المحفوظ، كما ذهب إليه من يقول بذلك، وقد ذكر الله عن الخضر قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وهذا دليل في غاية الوضوح، كما أن موسى عليه السلام كان على علم من ربه لا يعلمه الخضر أيضاً، فكل منهما كان يعلم علماً من قبل الله عز وجل ليس عند الآخر، وقد قال الخضر نفسه لموسى عليه السلام "يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، وأنت على علم من علمه علمكه لا أعلمه". (الحديث أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب 27 ج4/126، وكتاب التفسير 5/230) .
وبهذا يظهر أن الخضر وموسى اشتركا في أن كلاً منهما على علم لا يعلمه الآخر، فما يقال في موسى يقال في الخضر ولا يزاد.
وأما اختلاف الناس في حياته فقد قال به الكثيرون من المتصوفة، والحق أنه مات. قال أبو حيان: "الجمهور على أن الخضر مات، ونقل عن أبي الخضر المرسي أنه قال: أما خضر موسى بن عمران فليس بحي؛ لأنه لو كان حياً للزمه المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتباعه". (انظر البحر المحيط 6/147) .
ونقل القاسمي عن ابن تيمية أنه قال في بعض فتاويه: "وكذلك الذين يرون الخضر أحيانا هو جني رأوه، وقد رآه غير واحد ممن أعرفه وقال "انني" وكان ذلك جنياً لبس على المسلمين الذين رأوه، وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات، ولو كان حياً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويجاهد معه، فإن الله فرض على كل نبي أدرك محمداً أن يؤمن به ويجاهد معه كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} (انظر محاسن التأويل للقاسمي 11/4094، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية 1/27، 28) .
وقال ابن حجر: "… وأخرج النقاش أخباراً كثيرة تدل على بقائه لا تقوم بشيء منها حجة. قاله ابن عطية، قال: ولو كان باقياً لكان له في ابتداء الإسلام ظهور، ولم يثبت شيئاً من ذلك". ثم ساق ابن حجر الروايات الواردة في بقائه وحكم عليها بالضعف. (انظر فتح الباري 6/434) كما كتب ابن حجر رسالة خاصة في هذا الموضوع بعنوان "الزهر النضر في نبأ الخضر" وختمها بقوله: "وأقوى الأدلة على عدم بقائه عدم مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانفراده بالتعمير من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي". (انظر رسالته هذه ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 2/234) .
ونقل صديق حسن خان أقوال العلماء السابقين في ذلك فقال: "قال النووي: قال الأكثرون: هو حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه بين الصوفية ...
وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث: إنه مات قبل القضاء مائة سنة من الهجرة..
وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: وأما رواية اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهل البيت، فلا يصح من طرقها شيء…
كما نقل عن أبي الحسين بن المناوي مثل ذلك، وعقب على هذه الأقوال بقوله: "والحق ما ذكرناه عن البخاري وأضرابه في ذلك، ولا حجة في قول أحد كائناً من كان إلا الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يرد في ذلك نص مقطوع به ولا حديث مرفوع إليه صلى الله عليه وسلم حتى يعتمد عليه ويصار إليه، وظاهر الكتاب والسنة نفي الخلد وطول التعمير لأحد من البشر وهما قاضيان على غيرهما، ولا يقضي غيرهما عليهما". (انظر فتح البيان 5/492) .
نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 146