نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 167
كل ما لم يحط به علماً بتفسيره إلى الله مع الإيمان بنصه، وأن ذلك لا يكون إلا فيما كلفوا الإيمان بجملته دون تفصيله[1]. [1] يشير الأشعري هنا إلى أن أهل السنة والجماعة آمنوا بكل ما جاء من عند الله سواء كان محكماً، أو متشابهاً.
وقد اختلف العلماء قديماً في المراد بالمحكم والمتشابه في القرآن الكريم على عدة أقوال ذكرها ابن جرير في تفسيره مسنداً كل قول إلى صاحبه فذكر أن ابن عباس قال: المحكم: هو ناسخ القرآن وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابه: منسوخ القرآن ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به، ولقد ورد مثل هذا عن ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك ومجاهد.
وقال آخرون: المحكم: ما أحكم الله فيه بيان حلاله وحرامه، والمتشابه: ما أشبه بعضه بعضاً في المعاني وإن اختلفت ألفاظه.
وقال آخرون: المحكم: ما لم يحتمل من التأويل غير وجه، والمتشابه: ما احتمل من التأويل أوجهاً.
وقال آخرون: المحكم: ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره، والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم ووقت طلوع الشمس من مغربها وقيام الساعة وفناء الدنيا ومثل كيفية نفسه، وما أعده لأوليائه من النعيم في دار القرار.
وبعد أن ساق الطبري هذه الأقوال مال إلى القول الأخير، وأكد أن الله سبحانه وتعالى أنزل جميع القرآن على رسوله بياناً له ولأمته وهدى للعالمين. (انظر تفسير الطبري 6/175- 182) .
وهذا الرأي الذي ارتضاه ابن جرير هو في الغالب رأي الأشعري ويفهم ذلك من قوله فيما سبق: "وأن ذلك لا يكون إلا فيما كلفوا الإيمان بجملته دون تفصيله"، وذلك يكون فيما استأثر الله بعلمه من وقت وقوع الساعة مثلاً وغير ذلك. (انظر منتصف الصفحة السابقة) .
وذكر صاحب المنار أن القاضي أبا يعلى ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: المحكم: ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان، والمتشابه: ما احتاج إلى بيان. (انظر تفسير المنار 3/190) .
وهذا القول يتفق مع وجهة نظر الإمام أحمد في تفسيره للآيات المتشابهة، وانظر صنيعه في كتابه المشهور: "الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله".
ويذهب ابن تيمية أيضاً إلى هذا القول فيقول: "في الآيات المتشابهات قولان: أحدهما: أنها آيات بعينها تتشابه على كل الناس.
والثاني: - وهو الصحيح - أن التشابه أمر نسبي، فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن ثم آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد، وتلك المتشابهات إذا عرف معناها صارت غير متشابهة، بل القول كله محكم كما قال: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} … إلى أن قال: من قال من السلف إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله فقد أصاب أيضاً، ومراده بالتأويل: ما استأثر الله بعلمه مثل وقت الساعة، ومجيء أشراطها، ومثل كيفية نفسه، وما أعده في الجنة لأوليائه". (انظر مجموع الفتاوى 13/144، وتفسير سورة الإخلاص ص179) .
وبعد هذا العرض لآراء العلماء في المحكم والمتشابه أرى لزاماً علي أن أتعرض لقضية هامة تتعلق بما سبق وهي: هل يوجد في كتاب الله ما لا يعلم معناه؟.
الواقع أنه ليس في كتاب الله ما لا يعلم معناه، لأن الله أنزل كتابه هدى للعالمين، وأسند بيانه للمبلغ الكريم صلى الله عليه وسلم وأمر العباد بتدبر جميع ما جاء فيه، ولم يستثن من ذلك شيئاً، والدليل على ما قلناه قول مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقفه على كل آية وأسأله عندها".
ويقول ابن تيمية بعد حكايته لقول مجاهد السابق وما ورد في معناه من الصحابة: "وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن إلا ما قد يشكل على بعضهم فيقف فيه؛ لا لأن أحداً من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لم يعلمه".
(انظر تفسير سورة الإخلاص ص187، 188) .
وبهذا يندفع قول من يقول: إن آيات الصفات من المتشابه وفي الحقيقة أن أصحاب هذا القول أرادوا به تعطيل أسماء الله وصفاته وتأويلها عن ظاهرها اللائق بجلال الله وكماله.
ولقد آمن السلف جميعاً بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله وعرفوا معاني الصفات وما تدل عليه، ولم يشتبه عليهم فهم شيء من ذلك.
أما حقيقة الصفة وكيفيتها فهذا ما فوض السلف فيه العلم إلى الله تعالى، ولمزيد من التفصيل في ذلك انظر تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية من ص183- 243.
نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 167