المجالس من التذكير بالله والتخويف منه سبحانه ومن عذابه والترغيب والترهيب وغير ذلك من الأمور التي هي من أعظم أسباب زيادة الإيمان، كما قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} 1 وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى} [2].
فهذا يدل على أن أصحاب القلوب المؤمنة تستفيد من التذكير وتستفيد من مجالس الذكرى أعظم الاستفادة ويحدث لهم ذلك نشاطا وهمة، ويوجب لهم الانتفاع والارتفاع، بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنها من أعظم أسباب نقص الإيمان واضمحلاله.
ولهذا كان سلفنا الصالح أشد الناس عناية بمجالس الذكر، وأشدهم بعدًا عن مجالس اللهو والغفلة، وقد مر معنا من أقوالهم ما يدل على ذلك الشيء الكثير مثل أثر عمير بن حبيب الخطمي ومعاذ بن جبل- رضي الله عنهما- وغيرهما.
وسبب أخير نختم به هذه الأسباب ينبغي العناية به وعدم اغفاله وهو أن يعود المسلم نفسه ويوطنها على مقاومة جميع ما من شأنه إنقاص الإيمان أو إضعافه أو الذهاب به"فإنه كما أنه لا بد في الإيمان من فعل جميع الأسباب المقوية المنمية له فلا بد مع ذلك من دفع الموانع والعوائق وهي الإقلاع عن المعاصي والتوبة مما يقع منها، وحفظ الجوارح كلها عن المحرمات، ومقاومة فتن الشبهات المضعفة لإرادات الإيمان التي أصلها الرغبة في الخير ومحبته، والسعي فيه لا تتم إلا بترك إرادات ما ينافيها من رغبة النفس في الشر ومقاومة النفس الأمارة بالسوء، فمتى حفظ العبد من
1سورة الذاريات، الآية: 55. [2] سورة الأعلى، الآيات: 9-11.