ولما تذكر درجات الدين هذه يراد بالإسلام من أتى بالأعمال الظاهرة مع شيء من الإيمان يصحح عمله كحال الأعراب المذكورين في الآية المتقدمة، وكحال الرجل الذي قال عنه سعد بن أبي وقاص إني لأراه مؤمناً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أو مسلماً.
فمن دخل في هذا الدين ونطق بالشهادتين فهو المسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فمثل هذا يقال عنه مسلم، وكل أحد يصح أن يعبر عن نفسه بذلك بدون أن يستثني كما أرشد لذلك النبي-صلى الله عليه وسلم- في حديث سعد، وكما أرشد إلى ذلك الأعراب كما تقدم في الآية.
وبهذا يعلم أن الصحيح في مسألة حكم الاستثناء في الإسلام أن يقال: مسلم بدون استثناء، وهذا هو المشهور عن سلف الأمة في هذه المسألة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والمشهور عند أهل الحديث أنه لا يستثنى في الإسلام، وهو المشهور عن أحمد رضي الله عنه، وقد روي عنه فيه الاستثناء"[1].
قلت: وإنما كان السلف لا يستثنون في الإسلام لأسباب أهمها أمران:
الأول: ورد ما يرشد إلى ذلك في نصوص الشرع المطهر، كما في آية الحجرات، وحديث سعد وقد تقدما، وكما في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [2]. [1] الفتاوى (7/43) ، وسيأتي قريباً توجيه رواية أحمد التي جوز فيها الاستثناء في الإسلام. [2] سورة فصلت، الآية: 33.