ولكن أجيب عن هذا الإشكال على لسان شيخ الإسلام فقال:
إن هذا الذي ذكرتم في بيان التناقض والتخالف والعدم والملكة ـ من تلك القاعدة ـ فهذه القاعدة فاسدة غير صادقة؛ فإن هذه القاعدة مجرد اصطلاح اصطلحتموه ولسنا متفقين معكم عليها؛ فلا حجة لكم فيها علينا؛ لأنه من المعلوم: أن ما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت والعمى والخرس والعجمة.
فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأوصاف ونقائضها؛ يجوز لك أن تصفه بها أو بأضدادها كقولك: زيد بصير وعمرو أعمى، ولكن لا يجوز لك أن تقول: زيد لا بصير ولا أعمى. وكل من يجوز أن تصفه بهذه الكلمات دون أضدادها ـ لا يجوز لك أن تصفه بتلك الأضداد، فواجب عليك أن تقول: الله عليم بصير، ولا يجوز أن تقول: الله جاهل وأعمى؛ كما لا يجوز أن تقول: الله لا عالم ولا جاهل ولا حي ولا ميت فإنه أشد فساداً. عقلاً ونقلاً.
وكل ما لا يجوز وصفه بتلك الكلمات ويجوز وصفه بأضدادها ـ تصفه بأضدادها كالجدار مثلاً، فيصح أن يقال للجدار: جاهل لا علم له، وإنه ميت لا حياة فيه فإن الله تعالى وصف الجماد بالموت وعدم العلم.
فقال: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] ، ولا تقول: الجدار لا عالم ولا جاهل ولا حي ولا ميت.
• هذا هو الجواب الأول.
• والجواب الثاني: أن نقول: إن الله تعالى قادر على جعل الجماد حياً؛ كما جعل عصا موسى حيةً.
• والجواب الثالث: أن نقول: إن الذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات هو أعظم نقصاً ممن يقبل الاتصاف بها ـ مع اتصافه بنقائضها ـ فإن الجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس أعظم نقصاً من الحي الأعمى الأخرس.