ومع هذا يتوهم المعطل والممثل أن بناء الله للسماء كبناء المخلوق لسقف البيت، بحيث يحتاج إلى زنبيل ومجارف وطوب وأسمنت وغير ذلك، وهذا ظن فاسد بالله تعالى. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
8 ـ معنى قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16] : وبيان ما وقع فيه المعطل من الظن السيئ بالله من خلال هذه الآية:
أأمنتم من في السماء وهو الله تعالى العالي على خلقه أن يخسف بكم الأرض فتهلكوا أو تتلفوا، وهذا تهديد ووعيد لمن استمر في طغيانه وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة، فيتوهم المعطل والممثل هذه الآية أن السماء تحيط به تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومنشأ هذا الوهم ظنه أن (في) التي للظرفية تكون بمعنى واحد في جميع الموارد، وهذا ظن فاسد فإن (في) تختلف معناها بحسب متعلقها وعلى هذا فيخرج قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} على أحد وجهين:
1 ـ إما أن تكون السماء بمعنى العلو، فمعنى كونه في السماء أنه في العلو المطلق فوق جميع المخلوقات.
2 ـ وإما أن تكون في: بمعنى على، وعلى هذا فيكون معنى الآية {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي على السماء، أي فوقه، والله تعالى فوق السموات وفوق كل شيء.
9 ـ جناية المعطل على النصوص:
جنى المعطل على النصوص بتأويل النصوص على خلاف ظاهرها، والقول بالتأويل يعتبر محاولة لتكييف الصفة على نحو (ما) على غير الظاهر، بينما كان منهج القرآن والسنة هو إثبات الصفة كما وردت لا إثبات كيفية للصفات، لأن الكيف هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، فترك الوحي، واتباع الرأي، والتأويلات الفاسدة، عزل للكتاب والسنة كمصدرين للهداية في واقع الحياة، وليس بعد الهداية إلا الغواية، قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلال} [يونس: 32] .