هذه الإرادة الشرعية مثل إرادة الله منا أن نصلى ونزكي، وإرادته من قوم نوح أن يؤمنوا، ومنفرعون أن يؤمن، ومن أبي لهب أن يؤمن، فهنا شرع وطلب ذلك، والفرق -كما يذكر المُصْنِّف -أن الإرادة الأولى فعل من الله -عَزَّ وَجَلَّ- هو كتبه وأمضاه وقدره، وأما الإرادة الثانية فهو فعل من العبد مطلوب منه أن يفعله، فالكونية (أراد) بمعنى: خلق وقدر، والشرعية (أراد) بمعنى: أمر ونهى، فهما إرادتان مختلفتان، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] ويقول نوح لقومه: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ َ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود:34] وقول الله عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253] وقوله عَزَّ وَجَلَّ: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] وقوله تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] فهذه الإرادة الكونية.