فصفات الله سبحانه وتعالى جاءت بلغة العرب، فلو خوطبنا بشيء لا ندركه تماماً لما فهمنا أي شيء تماماً، فلا بد أن يكون هناك قدراً معيناً بين الألفاظ الموضوعة وبين المعاني التي وضعت لها الألفاظ، وهذا القدر المعين لا يستلزم بحال من الأحوال أن يكون كل من أطلق عليه اللفظ مساوياً للآخر في الحقيقة.
قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2] وقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] فالله سبحانه وتعالى له سمع يسمع به وبصر يبصر به فيحيط به المسموعات والمرئيات والمبصرات.
فنستطيع فهم الصفات واللوازم، وأما العين والحقيقة والذات فهذه لا نستطيع أن نفهم كيفيتها أبداً، فنؤمن أن الله سميع وبصير، وأنه على العرش، وأنه ينزل، وأنه يغضب، وأنه يرحم، مع الاعتقاد بأننا لا نستطيع معرفة كيفية الغضب والرحمة والاستواء وسائر الصفات؛ ولهذا عندما نفى علماء السلف الكيف وقالوا: نؤمن بلا كيف، ومعناه: إثبات شيء وبمعناه مع جهل كيفيته؛ لأنا إذا كنا ننفي نفس المعنى، فلا نحتاج أن نقول ليس له يد بلا كيف.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
[واعلم أن المخاطب لا يفهم المعاني المعبر عنها باللفظ إلا أن يعرف عينها أو ما يناسب عينها، ويكون بينهما قدر مشترك ومشابهة في أصل المعنى، وإلا فلا يمكن تفهيم المخاطبين بدون هذا قط، حتى في أول تعليم معاني الكلام بتعليم معاني الألفاظ المفردة، مثل تربية الصبي الذي يعلم البيان واللغة، ينطق له باللفظ المفرد، ويشار له إلى معناه إن كان مشهوداً بالإحساس الظاهر أو الباطن.