قال بعض السلف: "ما عصى الله عَزَّ وَجَلَّ أحد إلا بجهالة" أي: في حالة وقوع الذنب يكون العبد قد جهل مقام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما عظمه حق تعظيمه، وما قدره حق تقديره، والقلوب عَلَى ذلك شواهد، فيعتري المؤمن حالات تصفو فيها نفسه وقلبه، ويرسخ ليقينه وإيمانه ويذكر ربه عَزَّ وَجَلَّ، فلو عرضت عليه معصية وخُيِر بين أن يفعلها وبين أن يلقى في النَّار أو يعذب أشد العذاب، لاختار هذا العذاب الأليم، ثُمَّ يعرض للقلب غفلات، وإذا بالنفس تهفو وتتطلع إِلَى أن تفعل تلك المعصية بذاتها التي كانت في تلك الحالة، وأصحاب النفوس اللوامة يشهدون هذا التفاوت دائماً، لكن أصحاب النفوس المطمئنة لا تلمُّ بقلوبهم إلا خطرات.
أعظم الناس إيماناً ويقيناً
أعظم النَّاس اطمئناناً ويقيناً وإيماناً بالله هم من أنزل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عليهم السكينة، وشهد لهم بالإيمان والطمأنينة والذكر وهم الصحابة -رضوان الله عليهم- ثُمَّ أهل القرون المفضلة ومن اقتفى نهجهم،.
فإذا حُجب عن هذا المشهد، وبقي بنفسه أي لا بربه، استولى عليه حكم النفس، فهنالك نصبت عليه الشباك، والأشراك وأرسلت عليه الصيادون، والشراك هو الذي تقع فيه الفريسة وتقيد به، أي: أن الإِنسَان في هذه الحالة إذا غفل، واستولى عليه حكم النفس لا حال المراقبة واليقين، ولكن غلب عليه حال الهوى والشهوات، فمن كانت نفسه أمارة عليه فبماذا تأمره؟ ومن الذي وعده بالجنة وجعلها مأواه؟ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] .