إذاً: هذا الذي ذكره ابن إسحاق تفسير لكلام الحسن أن هذه رؤيا أي في المنام، والحسن لم يقل ذلك، لأنه يمكن أن يُحمل كلام الحسن عَلَى كلام ابن عباس فتكون الرؤيا حق ورؤيا عين، كما قال ابن عباس رضي الله تَعَالَى عن الجميع، فالحقيقة أنه لا يثبت لدينا قول نعتمد عليه عن السلف في أن الإسراء والمعراج لم يكن بروحه وجسده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاً.
الفرق بين أن يقال الإسراء كان مناماً أو كان بالروح والجسد
ثُمَّ يذكر المُصْنِّف قضيةً مهمةً جداً ينبغي أن تُعلم، وهي: أنه ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال كَانَ الإسراء مناماً، وبين أن يُقَالَ: كَانَ بروحه دون جسده، حتى القائلين بأن الإسراء لم يكن بالروح والجسد معاً قالوا: لا بد أن نفرق بين قول من يقول: إنه منام -كما فهم ذلك بعض المتأخرين- وبين قول الصحابة مثلاً: إنه لم يُفقد جسده، يقول: وبينهما فرق عظيم، فعَائِِِشَةَ ومعاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُما لم يقولا كَانَ مناماً، هذا عَلَى فرض ثبوت القول وإلا فهو لم يثبت، وإنما قالا أُسري بروحه ولم يُفقد جسده، وهذا في الحقيقة إنما هو الرواية المروية المنقولة عن عَائِِِشَةَ وحدها.
أما كلام معاوية رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فهو: كانت رؤيا من الله صادقة، ولم يقل لم يُفقد جسدُه وفرق ما بين الأمرين.
فإنه إذا كَانَ الإِنسَان نائماً، فإنه قد يرى ما يراه أي النائم، وقد يكون ذلك أمثالاً خيالية مضروبة للمعلوم المحسوس، فتضرب له الأمثال من غير الواقع في صورة محسوسة واقعية مشاهدة، فيرى مثلاً كأنه قد عُرج به إِلَى السماء، وذُهب به إلىبيت المقدس، ثُمَّ رُجع به إِلَى مكة يرى ذلك، وفي الحقيقة أن روحه لم تصعد ولم تذهب ولم تغادر، وإنما هذا مجرد تصوير أو تخييل حصل له في أثناء النوم، ولم تذهب روحه ولم تفارق الجسد لتذهب وتطوف في تلك الأماكن، وإنما هذا أمر تخيلته النفس والإِنسَان نائم في مكانه.