ثُمَّ قال المصنف: [فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه، فإن هذا لا يقصده المبين الهادي بكلامه] والمبين الهادي هو النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي أنزل الله إليه الذكر ليبين للناس ما نُزِّل إليهم، وهو الذي يشرح ويوضح كلام الله تعالى، فإذا جَاءَ معنى من المعاني فلا بد أن يكون إما ظاهراً واضحاً بنفسه لمن تأمله، وأما أن يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تعتقدوا ظاهر هذا النص وهذا المعنى الواضح، الذي إذا قرأتموه فهمتموه، فإذا كَانَ هذا الأخير، فإنه يجب عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبين هذا، فإذا كَانَ العرب يفهمون من استوى: استقر وعلا وارتفع وصعد وأمثال هذه المعاني الواضحة من لغة العرب، وفهمها السلف وفسروها بذلك، بينما يكون المعنى الصحيح هو استولى، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أنزل عليه هذا القُرْآن وقرأه بين أظهرهم، وأوجب الله عليه أن يبين لهم، كَانَ ينبغي عليه ولو مرة من المرات في جلسة من الجلسات أن يقول لهم: انتبهوا إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله أو قلت لكم حديثاً في الصفات، فلا تأخذوه عَلَى ظاهره؛ بل لا بد أن تؤولوه وتخرجوه عن كلام العرب، وهذا في الحقيقة لم يحصل ولا يمكن أن يحصل.
ولهذا فالذين تراجعوا عن التأويل من المؤولين استدلوا بهذا الدليل الجلي الواضح كما فعل ذلك أبو المعالي الجويني في الرسالة النظامية والتي رجع فيها عن مذهب التأويل مستدلاً بهذا الدليل فقَالَ: وجدنا السلف مطبقين مجمعين عَلَى عدم التأويل، وهم أعلم النَّاس بالدين وأشدهم فهماً وأحرصهم عليه، فلو كَانَ هذا التأويل، حقاً لسبقونا إليه فلما وجدنا إطباقهم جميعاً عَلَى عدمه علمنا أنه باطل، فهذا استدلال صحيح.