[قيل: فهذا المعنى هو الإخبار عن المتكلم أنه أراده وهو إما صدق وإما كذب، كما تقدم، ومن الممتنع أن يريد خلاف حقيقته وظاهره ولا يبين للسامع المعنى الذي أراده؛ بل يقرن بكلامه ما يؤكد إرادة الحقيقة، ونحن لا نمنع أن المتكلم قد يريد بكلامه خلاف ظاهره إذا قصد التعمية عَلَى السامع حيث يسوغ ذلك، ولكن المنُكَر أن يريد بكلامه خلاف حقيقته وظاهره إذا قصد البيان والإيضاح وإفهام مراده، كيف والمتكلم يؤكد كلامه بما ينفي المجاز ويكرره غير مرة ويضرب له الأمثال] اهـ.
الشرح:
ذكر المُصْنِّف أن الاستدراك الأخير جائز، وقد يقع في لغة العرب أو عند بعض النَّاس وذلك مثل الألغاز اللغوية أو الألغاز النحوية، وهو أن يأتي الشخص بكلامٍ ولا يقصد ظاهره ليعمي عَلَى النَّاس وحتى لايعرف المعنى الذي قصده صاحب اللغز وهو يريد التعمية عليك، ويقع هذا -أيضاً- في المعاريض، فلو سألك شخص أين فلان؟ وهو عندك، وتخشى عليه من صاحب ظلم وشر يريد أن يبطش به، فتقول: ليس هنا! وتشير إِلَى أصبعك فهذا وأمثاله يسمى المعاريض، وهي جائزة في الشرع إذا كانت المصلحة راجحة، فتستخدم مثل هذه الأمور من أجل التعمية والتورية.
لكن هل ينطبق هذا عَلَى الكتاب والسنة؟ بمعنى هل ينزل الله شيئاً في كتابه ويريد به التعمية علينا حتى لا نفقه ظاهره؟ أو أنه جَاءَ بأوضح البيان وقال الله فيه: هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً [آل عمران:138] ؟
والجواب واضح وهو: أن هذا البيان والهدى والرحمة الذي أنزله الله تَعَالَى ما كَانَ يجعل فيه تعمية عَلَى العقول! بل حدى التأويل ببعض المؤولة إلى أن يؤولوا أحاديث الدجال فَقَالُوا: المقصود بالدجال الحضارة الغربية؛ لأنها حضارة عوراء فيها الجانب المادي وليس فيها الجانب العملي!