فالضدان ممكن أن يرتفعا، أما النقيضان إذا ارتفع أحدهما فبالضرورة أن يوجد الآخر، فإذا قلت لك: أزيد داخل البيت أم خارجه؟ فبالضرورة إذا قلت داخله أنه ليس خارجه مطلقاً وهذا معلوم بالضرورة العقلية، وبهذا نعرف بطلان مذهب الأشاعرة، وغيرهم من المؤولين في العلو لأنهم يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه فرفعوا النقيضين، ورفع النقيضين محال في العقول البشرية، فإنه لا بد أن يوجد الشيء داخل أو خارج، ولا بد أن يكون كذلك أسفل أو فوق.
ومن أوضح الأمثلة عَلَى النقيضين أن نقول موجود أو غير موجود فإذا كَانَ موجوداً فلا يمكن أن تقول: إنه غير موجود أو العكس فالباطنية وغلاة الجهمية لا يرفعون النقيضين في جميع الصفات فيقولون: لا نقول موجود ولا غير موجود وهذا مذهب الباطنية ومذهب غلاة الجهمية.
والأشاعرة لا يقولون ذلك في جميع الصفات إنما يقولون ذلك في صفة العلو فهم يأخذون بشعبة من التجهم والباطنية والمقصود هنا، كيف نثبت هذه القضية؟
يقولون: إن العقل هو الذي دلنا عَلَى صحة النقل ومن ثُمَّ وجب عند التعارض أن نحكم العقل ونحن عكسنا عليهم القضية وقلنا: العقل قد دل عَلَى صحة النقل، ومن ثُمَّ وجب عند التعارض أن نحكم النقل؛ لأننا إذا حكمنا العقل أبطلنا العقل والنقل معاً؛ لأن العقل هو الدليل، وهو الآلة التي عرفنا بها صحة النقل، فإذا قلنا: إن الدليل الذي دل عَلَى صحة شيء من الأشياء وكان هذا الشيء باطلاً، فإن الدليل الذي دل عليه باطل، فيكون النقل غير صحيح ويقدم عليه العقل، وكيف يدلنا عَلَى صحته وهو باطل؟