هذه العبارة يلاحظ فيها شيء من اللبس إذا دققنا النظر فيها، فهذا اصطلاح بدعي وهو صرف اللفظ إلى الاحتمال المرجوح، فكيف نقول: التأويل بهذا المعنى منه صحيح ومنه باطل؟ فالصحيح ما يوافق الكتاب والسنة، والباطل ما يخالفه، هكذا بإطلاق، وقد سبق أن قلنا: إن هذا المعنى بدعي، لكن كيف نُوجِّهُ كلام المصنف؟
لا شك أنه رحمه الله يقصد معنى حقيقياً، لا غبار عليه، ولكن نفس التعبير فيه نظر، فكأنه جعل هذا التأويل بدعي، وجعله على قسمين: قسم منه يوافق الكتاب والسنة، وقسم آخر يخالف الكتاب والسنة فظاهر العبارة قد يفهم هكذا، لكن المقصود هو مجرد صرف النصوص عن ظاهرها، وهل كل ظاهر في الكتاب والسنة، يؤخذ على إطلاقه؟ فهناك من النصوص ما لا يؤخذ على إطلاقه، كالعام المخصص، لأن هذا الإطلاق مخصوص.
والأحكام المطلقة أيضاً، فالمطلق لا يؤخذ ظاهره بإطلاق؛ بل يؤخذ مضموماً إلى النص المقيد له، وكذلك الألفاظ المجملة إذا جاء ما يبينها، فالمقصود هو أن نفهم أنه ليس كل ظاهر في الكتاب والسنة يؤخذ على إطلاقه، ومما يدل على أن هذه العبارة فيها نظر، أننا إذا قلنا: إن كان الدليل يقتضي صرف دلالة الآية أو الحديث عن الظاهر.
إذاً: فليس هذا الظاهر راجحاً ما دام أن هناك دليلاً صحيحاً على صرفه، بل ننظر إلى هذا النص نظرة واحدة وهي أن له ظاهراً، لكن هذا الظاهر مخصوص أو مقيد، إذاً فليس الظاهر راجحاً وما صرفناه إليه مرجوحاً، بل ذاك هو الراجح وهذا يسمى متبادر، أي أن هذا المعنى يتبادر إلى ذهن الإنسان في الأول، لكن إذا تأمل وضم الدلالات إلى بعضها وجد أن هذا الذي يتبادر إلى ذهنه من العموم مثلاً ليس على إطلاقه، لورود نص مخصص يبين ويوضح أن هذا ليس على إطلاقه.
التأويل بالمعنى الثالث كله مردود