والمسلم -عندهم- إذا بلغ التكليف مثلاً في هذه الليلة باحتلام، أو إنبات، أو بلوغ خمسة عشر سنة، يجب عليه من هذه اللحظة -لحظة ما بلغ- أن يفكر، فيقول: هذا العالم حادث، وكل حادث لابد له من محدث، وهذا العالم متغير، والمتغير حادث، والحادث لابد له من محدث. والمحدث هو الله، ويعيد المقدمات حتى يتأكد أن المحدث هو الله، ثم يعرفه بأنه واحد، لا هو أبعاض ولا هو أعداد، فإذا عرف هذا الشيء فقد وحد وأصبح مسلماً. والعجيب أنهم بحثوا في حكم من مات في أثناء النظر على أي دين يموت؟
فقال بعضهم: يموت على الكفر، لأنه لم يدخل في الإسلام.
وقال بعضهم: هو مسلم لكنه عاصي.
وأطالوا الكلام في هذا كما في كتاب الإرشاد للجويني -فيا سبحان الله- كيف نضع الأصول الفاسدة، ثم نركب عليها لوازم باطلة، ثم يتشعب الباطل حتى نجد باطلا كاملاً؟!
فأول واجب عندهم هو النظر، كما قال الجويني، وابن فورك، وكلاهما من أئمة الأشعرية.
وقال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني -إمام الأشعرية في زمانه- أول ما يجب: هو أول جزء من النظر، وليس كل النظر بحيث يرتقي بعد ذلك حتى يصل إلى المعرفة.
وهناك قول رابع جاء به أبو هاشم الجبائي شيخ المعتزلة في زمانه فقال: أول ما يجب على الإنسان: هو الشك. لأنك إذا شككت وصلت إلى اليقين. على طريقة ديكارت حيث قال: "أنا أفكر؛ إذاً أنا موجود" هذه النظرية كانت أعظم نظرية، وأعظم فتح في تاريخ الفلسفة الأوروبية والعالم الغربي-كما يقولون-، حيث تحرر من قيود الرجعية ومن قيود الفلسفة الكلاسيكية بهذه القاعدة العظيمة "أنا أفكر؛ إذاً أنا موجود".
فالشك في الأشياء أو السفسطة -وهو إنكار حقائق الأشياء- مخيم على أذهانهم، وأن كل ما نراه الآن قد يكون حقاً وقد يكون غير موجود. فابتلاهم الله تعالى بالشك والزيغ في قلوبهم.