هذا في الكتاب الأول، والتقدير تقدير عام، وهناك تقديرات أخرى، تقدير يتعلق بآدم، أو بآدم وذريته، قبل أن يخلق الله آدم بأربعين عاما كما في الحديث الصحيح في محاجة آدم وموسى " قال آدم: فبكم وجدت مكتوبا عليّ {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) } ([1]) " وفي بعض الروايات: " أتلومني على قدر قدره الله عليّ قبل أن أخلق بأربعين عاما ".
وتقدير ثالث وهو تقدير يتعلق بكل فرد. كل فرد له تقدير يخصه كما في الحديث الصحيح، المتفق على صحته أنه " عندما يبلغ الجنين أربعة أشهر ويتم له مائة وعشرون يوما يأتيه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ".
فهذا تقدير آخر يختص بكل إنسان، بكل نفس، كل إنسان له تقدير خاص، تقدير يكون عند نفخ الروح فيه، وتقدير حولي، وهو ما يكون في ليلة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) } [2] .
وسميت ليلة القدر؛ لأن الله يقدر فيها ما يكون في السنة من ليلة القدر إلى نهاية العام من السنة إلى السنة، وهذه التقديرات لا تناقض التقدير الأول، والكتاب الأول لا تتناقض معه، والله تعالى حكيم.
الدرجة الثانية من الإيمان بالقدر: الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن هذا الوجود لا يكون فيه حركة، ولا سكون، ولا تقديم، ولا تأخير، ولا وجود صغير، ولا كبير إلا بما شاء " ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " وهذه المرتبة يعني مضمونها الإيمان بعموم مشيئة الله؛ لأن مشيئة الله عامة، لا يخرج عنها شيء، لا يخرج عنها شيء يعني: لا يخرج عن مشيئة الله شيء لا أفعال العباد، ولا الحيوان ولا غيرها. [1] - سورة طه آية: 121. [2] - سورة الدخان آية: 3-4.