غنى الله عن الولد والشريك
وقوله: {الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء:111] هذا تنزيه له جل وعلا بعد إثبات الكمال، فنزه نفسه سبحانه عما يصفه به بعض الخلق الأنجاس، الذين لم يعرفوا قدر الله ولم يتحلوا بشيء من العبودية، بل ندوا وشردوا عن الطور الذي خلقوا له، فشبهوا الله جل وعلا بالناقصات، فزعموا أن له ولداً تعالى الله عن قولهم! ومن هؤلاء اليهود الذين زعموا أن عزيراً ابن الله، وهو رجل منهم يعرفونه ولكنهم لما أصيبوا بغزو بختنصر الذي قتلهم وسلبهم ملكهم ثم أحرق التوراة وكانوا لا يحفظونها، فجاء هذا الرجل وكتبها، فعند ذلك قالوا: ما كتبها إلا لأنه ابن الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وكذلك إخوانهم النصارى فإنهم قالوا: عيسى ابن الله، وكذلك الجهلة من المشركين الذين قالوا: الملائكة بنات الله، وهؤلاء كلهم جهلة ظلمة، وهم من شرار خلق الله جل وعلا، ولهذا يكون مصيرهم إلى جهنم.
ولهذا يقول: (الذي لم يتخذ ولداً) ، أي: لغناه وكماله، فله الحمد المطلق وله الغنى المطلق، وهو الذي لا يشبهه شيء.
قوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْك) وهذا من تمام ملكه وغناه، فهو غني في ذاته ولذا: (لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) ، وهو الذي لا مثيل له ولا نظير، فإن الولد يكون مشابهاً لوالده، والوالد لا يطلب الولد إلا لنقصه وحاجته؛ لأنه يموت فيريد من الولد أن يرثه وأن يقوم مقامه، أما رب العالمين جل وتقدس فإنه الغني بذاته عن كل ما سواه، وكل الخلق في السماوات والأرض عبيد له.
وأما الملك فهو الذي أوجده وهو الذي يملكه الملك التام، أما ملك العباد فهو عارية مؤقتة، ثم هي هينة مقدرة لا تعدو قدرهم، ثم يسلبون ذلك ويزول من أيديهم، ويخرجون من هذه الدنيا كما دخلوا فيها قد سلبوا كل شيء، فليس ما عندهم من الملك ملكاً في الحقيقة، فالملك الحقيقي يعود إليه، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء:111] .
وإذا لم يكن له شريك في الملك تعالى وتقدس، فهو الذي لا نظير له في حقه الذي يستحقه، وسواء كان الحق على عباده أو كان حقاً عاماً مطلقاً، فليس له في ذلك مشابه، فهو كامل في كمالاته.