[3]- فإذا عرفت أنّ الله خلقك لعبادته فاعلم: أنّ العبادة لا تسمّى عبادة إلا مع التوحيد، كما أنّ الصلاة لا تسمّى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدتْ كالحدَث إذا دخل في الطهارة.
= وأما الشرائع التي هي الأوامر والنواهي والحلال والحرام فهذه تختلف باختلاف الأمم حسب الحاجات، يشرع الله شريعة ثم ينسخها بشريعة أخرى إلى أن جاءت شريعة الإسلام فنسخت جميع الشرائع وبقيت هي إلى أن تقوم الساعة، أما أصل دين الأنبياء – وهو التوحيد- فهو لم ينسخ ولن يُنسخ، دينهم واحد وهو دين الإسلام بمعنى: الإخلاص لله بالتوحيد. أما الشرائع فقد تختلف، وتُنسخ، لكن التوحيد والعقيدة من آدم إلى آخر الأنبياء، كلهم يدعون إلى التوحيد وإلى عبادة الله، وعبادة الله: طاعته في كل وقت بما أمر به من الشرائع، فإذا نسخت صار العمل بالناسخ هو العبادة، والعمل بالمنسوخ ليس عبادة الله.
3- "فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته" يعني: إذا عرفت من هذه الآية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وأنت من الإنس، داخلٌ في هذه الآية، وعرفت أن الله ما خلقك عبثاً، أو خلقك لتأكل وتشرب فقط، تعيش في هذه الدنيا وتسْرح وتمرح، لم يخلقك لهذا، خلقك الله لعبادته، وإنما سخر لك هذه الموجودات من أجل أن تستعين بها على عبادته لأنك لا تستطيع أن تعيش إلا بهذه الأشياء، ولا تتوصل إلى عبادة الله إلا بهذه الأشياء، سخرها الله لك لأجل أن تعبده، ليس من أجل أن تفرح بها وتسرح وتمرح وتفسُق وتفجر تأكل وتشرب ما اشتهيت، هذا شأن البهائم، أما الآدميون فالله جل وعلا خالقهم لغاية عظيمة وحكمة عظيمة وهي =