حال كفار قريش في العبادة عند بعثة النبي عليه الصلاة والسلام
ثم قال رحمه الله: [أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً] الضمير في (أرسله) عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم (إلى قوم) هم قريش (يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً) بل ويصلون الرحم، ويطعمون المسكين، لكن هذه العبادات لم تنفعهم شيئاً، ولم تغن عن بعث رسول؛ لأنها كانت مشوبة بالشرك وعدم الإخلاص لله جل وعلا، فكانوا يلهجون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، وكانوا يذبحون لغير الله، ويستقسمون بغير الله، ويلجئون إلى غيره، ويسألون جلب النفع ودفع الضر ورفعه من غير الله تعالى، ولذلك كانوا بحاجة إلى أن يبعث إليهم من يقرر التوحيد.
وبهذا نفهم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه لمجرد العبادة التي تكون له ولغيره، بل خلق الخلق لإفراده بالعبادة، قال جل ذكره: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، قال ابن عباس: (كل موضع أمر الله سبحانه وتعالى فيه بالعبادة في القرآن فإن المراد به التوحيد) ، أي: ما خلق الله الخلق إلا ليوحدوه جل ذكره، وبهذا نفهم أن كثرة العبادة مع عدم الإخلاص لا تغني شيئاً، بل صاحبها في النار؛ ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: (كثير العبادة التي نزع منها الإخلاص لا تنفع، وقليل العبادة مع الإخلاص والتوحيد تعلي قدر العبد عند الله سبحانه وتعالى، وترفعه إلى منازل عليا) ، فالإخلاص هو الأصل؛ ولذلك لم يأتِ النبي صلى الله عليه وسلم لقوم لا يعبدون الله فأمرهم بالعبادة، بل أتى إلى قوم يعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً، إلا أنهم وقعوا في الشرك، فصحح صلى الله عليه وسلم التوحيد وأمر بإفراد العبادة لله جل ذكره.