وقد ابتدأ أمر الخوارج فِعليًّا يوم صفين، حين أنكروا على علي رضي الله عنه قبوله بالتحكيم، ثم خرجوا عليه بالسيف، فقاتلهم بالحجة والسنان، حتى رجع منهم الكثير، وقتل منهم الكثير دون أن يستطيع استئصالهم. وبلغ الأمر بأحدهم وهو الشقيُّ عبدُ الرحمن بن ملجم أن اغتال عليا رضي الله عنه وأرضاه، وهو آنذاك أفضلُ مَن على وجه الأرض. ثم استمرت المغامرة السياسية للخوارج في ظل حكم بني أمية وبني العباس وغيرهم من دول الإسلام [1] . وبموازاة مع خروجهم المتواصل على الحكام المسلمين، كانت أفكارهم وعقائدهم تتطور وتزداد رسوخا، حتى أصبحت لهم عقائد معروفة يتميزون بها عن غيرهم من الفرق، خصوصا في مسائل الإيمان والكفر.
والذي يهمنا منها هنا أنهم جعلوا الإيمان شاملا للإقرار اللساني والتصديق القلبي وجميع أنواع الطاعات صغيرة أو كبيرة. فالإيمان هو مجموع هذه الأشياء وترك أي خصلة من هذه الخصال كفر [2] . فمرتكب الكبيرة عندهم خارج من الدين بالكلية. وهذا من أشنع أقوالهم، وليس لهم فيه مستند إلا التمسك ببعض الشبهات التي هي أوهى من نسْج العنكبوت.
مذهب المعتزلة:
أشهرُ ما جاء في سبب تسمية هذه الفرقة بالمعتزلة [3] ، أنَّ واصلَ بنَ عطاءٍ – وهو مؤسس هذه الفرقة – اعتزل حلقة الحسن البصري لما ورد عليه سؤال عن مرتكب الكبيرة، وشرع يُقَرر مذهبه في حلقة خاصة به. ثم كبرت الفرقة واشتهرت، وبدأت أصولها ترسخ وتتقرر. وعلى كثرة اختلافهم فيما بينهم، فإنهم متفقون على أصولٍ خمسةٍ يجادلون عنها، ويتبرءون ممن خالفهم فيها، وهي:
العدل ويتوصلون به إلى نفي القدر.
التوحيد ومعناه عندهم نفي الصفات.
الوعد والوعيد وثمَرتُه عندهم إنكار الشفاعة وإنكار كون عصاة الموحدين في المشيئة.
المنزلة بين المنزلتين وهي حكم مرتكب الكبيرة عندهم. [1] - انظر كتب التاريخ خصوصا البداية والنهاية لابن كثير. [2] - تفسير الرازي الكبير: 2/23. [3] - التنبيه والرد: 35 والملل والنحل: 1/38.