الدليل الرابع: جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في غير موضع من الكتاب نحو: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ، فدل على التغايُر بين مفهومَيْهما. والجوابُ منعُ استلزامِ التغاير، فإن مِن أنواع العطف – كما ذكر ابن هشام الأنصاري في المغني [1] : عطف العام على الخاص وبالعكس نحو {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ونحو {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} وغيرها. بل إن منها عطف الشيء على مرادفه نحو {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} و {عِوَجًا وَلا أَمْتًا} وغيرها [2] .
وذلك إنما يكون لنُكتٍ بلاغيةٍ معروفة عند أهل الفن، كما يقول العلامة بهاء الدين السبكي في شرحه لمتن التلخيص: " من أسباب الإطنابِ إيرادُ الخاصِّ بعدَ العام ويؤتى به للتنبيه على فضل الخاص حتى كأنَّه ليسَ مِن جِنْس العامِّ تنزيلا للتغاير في الوصف - فيما حصل به للخاص التمييزُ عن غيره - بمنزلةِ التغاير في الذاتِ على الأسلوبِ الذي سَلَكهُ المُتنبي في قوله:
فإن تَفُقِ الأنامَ وأنت منهم ... ... ... فإن المسك بعض دم الغزال" [3] .
فعطفُ العمل الصالح على الإيمان هو – إذن – من عطف الخاص على العام، ويمكن أن يقال بأن علةَ ذلك هي شدةُ الاعتناءِ بالأعمال، وتنبيه المخاطب إلى خطورتها، وتحذيره من إغفالها. [1] - مغني اللبيب: 2/411. [2] - انظر تفصيلا نافعا لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: 7/172. [3] - عروس الأفراح شرح تلخيص المفتاح – ضمن شروح التلخيص -: 3/216، ومثله في عقود الجمان للسيوطي: 72.