وأما اختلاف الأسباب والوسائط فمع ما سبق له من إيضاح، نقول: إنه قد تقرر فيما مضى أن العبد (كل عبد) من حيث هو مفتقر ذاتياً إلى الله تعالى لا يستطيع أن يحقق مراداته ومطالبه التي لا تنتهي إلا بوسائط وأسباب إما حقيقية وإما متوهمة..
والقصد هنا بيان اختلاف شطري الجماعة الإنسانية "المؤمنون والكافرون" بالنسبة لهذا الأمر، وكيف يصرف كل منهما عبادته وخوفه ورجاءه وسائر أعمال قلبه له وفي سبيله. (1)
فأما المؤمن فمن بدهيات إيمانه تجريد الاستعانة بالله وحده - كتجريد العبادة له وحده - سواءً الاستعانة به في الهداية والاستقامة وصلاح القلب، أو في إدراك المطالب وقضاء الحوائج التي يفتقر إليها المخلوق في معاشه ومصالحه.
فهو يعلم أن الله تعالى هو وحده الذي بيده خزائن كل شيء «وإن من شيء إلا عندنا خزائنه» - كما سبق عنها - وهو يناجي ربه تعالى في حين وآخر: "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (2)
وهو يردد هذا الكنز من كنوز الجنة" لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" (3)
بل إن كان عاقل في الوجود لو تأمل وتدبر لوجد أنه "ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير، بل لا يؤثر سبب البتة إلا بانضمام سبب آخر إليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره، هذا في الأسباب المشهودة بالعيان وفي الأسباب الغالية والأسباب المعنوية، فكل ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلى غاياته أن يكون جزء سبب
(1) توحيدها مجموع كله في قوله تعالى «وإياك نستعين»
(2) أما مجرد اتخاذ الأسباب أو عدمه فليس داخلاً في موضوعنا هنا.
(2) هذا من أدعية الرفع من الركوع وعقب الصلاة، رواه الإمام أحمد (4/93) ، والبخاري (2/325) ومسلم رقم (477)
(3) رواه الإمام أحمد (2/309) ، والبخاري (11/187) ، ومسلم رقم (2704)