أقول: ما ذكره من الأحاديث والآثار ليس على درجة واحدة من الصحة والقبول، لكن الشاهد من مجموعها - وهو الاستدلال على صحة مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة - متحقق، والمطلع على السنة وأقوال الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - يمكن أن يزيد على ما ذكر أشياء كثيرة.
وهذه التي ذكرها بعضها أعمال وبعضها أقوال، وبعضها أقوال القلب وأعماله وبعضها أقوال لسان وأعمال جوارح، وبعضها فرائض وواجبات، وبعضها نوافل وكمالات.
ومن تدبرها وتدبر أمثالها في النصوص الأخرى، ثم قابل ذلك بقول المرجئة - الذي عليه أكثر كتب العقيدة في العالم الإسلامي اليوم، وهو أن الإيمان هو التصديق القلبي المجرد من سائر أفعال القلوب والجوارح، على الخلاف في النطق بالشهادتين - عرف شذوذ هذا القول وسقوطه، وأنه بدعة لا يجوز اعتقادها.
2 - كلام الفضيل بن عياض مع تعليق الإمام أحمد [1] :
قال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة: "وجدت في كتاب أبي: أخبرت أن الفضيل بن عياض قرأ أول الأنفال حتى بلغ: «أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم»
قال حين فرغ: إن هذه الآية تخبرك أن الإيمان قول وعمل، وأن المؤمن إذا كان مؤمنا حقا فهو من أهل الجنة. فمن لم يشهد أن المؤمن حقا من أهل الجنة فهو شاك في كتاب الله مكذب، أو جاهل لا يعلم. فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن حقا مستكمل الإيمان، ولا يستكمل الإيمان إلا بالعمل، ولا يستكمل عبد الإيمان ولا يكون مؤمنا حقا حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه.
يا سفيه ما أجهلك لا ترضى أن تقول: أنا مؤمن حتى تقول: أنا مؤمن حقا مستكمل الإيمان، والله لا تكون مؤمنا حقا مستكمل الإيمان حتى تؤدي ما افترض الله [1] من المتعذر تمييز كلام الفضيل من كلام الإمام، ولهذا أوردتهما معا بدون فصل.