إن اقتران الحديد بالقرآن من أجل إقامة دين الله في الأرض، ليكشف عن سنة ربانية عظمى في عظمة هذا الدين، وطبيعة الجاهلية المقابلة، وهي أن "هذا المنهج الإلهي الذي يمثله الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يمضي الله ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب وترتب النتائج على أسبابها الطبيعية.
إنما يتحقق بأن تحمله مجموعة من البشر، تؤمن بالله إيمانا كاملاً، وتستقيم عليه بقدر طاقتها، وتجعله وظيفة حياتها وغاية آمالها، وتجهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم العملية كذلك، وتجاهد لهذه الغاية بحيث لا تبقى جهداً ولا طاقة. تجاهد الضعف البشري والهوى البشري والجهل البشري في أنفسنا وأنفس الآخرين، وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى والجهل للوقوف في وجه هذا المنهج الإلهي إلى الحد والمستوى الذي تطيقه فطرة البشر" [1] .
هذه المجموعة تجاهد الناس بالقرآن «وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا» [2] ، وتجاهدهم بالحديد «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» [3] ، حتى يستقيموا إلى الله ويستقيموا على دين الله، وهذا ما أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم " [4] .
وقوله: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " [5] . [1] طريق الدعوة في ظلال القرآن، ص 39. [2] [الفرقان:52] [3] [البقرة: 251] [4] رواه الإمام أحمد، المسند (2/92) وشرحه الحافظ ابن رجب شرحاً قيماً، وهو صحيح، وروى البخاري بعضه تعليقاً. أنظر: الفتح (6/98) . [5] رواه البخاري الإيمان (1/75) "الفتح"