أصول مذاهب المرجئة نظريا (1)
أولا: منطلق الشبهة وأساسها
إن منطلق الشبهات كلها في الإيمان وأساس ضلال الفرق جميعها فيه هو أصل واحد اتفقت عليه الأطراف المتناقضة جميعها، ثم تضاربت عقائدها المؤسسة عليه:
وذلك أن الخوارج والمعتزلة والمرجئة - الجهمية منهم والفقهاء والكرامية - اتفقوا على أصل واحد انطلقوا منه: هو أن الإيمان شئ [2] واحد لا يزيد ولا ينقص، وأنه لا يجتمع في القلب الواحد إيمان ونفاق، ولا يكون في أعمال العبد الواحد شعبة من الشرك وشعبة من الإيمان.
والعجيب أن هذه الفرق تحسب أن هذا موضع إجماع وتدعي ذلك، وعليه تبني معتقدها، وإنما هو إجماع بينها فقط، وربما كان ذلك لأن أكثر المصنفين في الفرق والمقالات هم من غير أهل السنة، ولا يذكرون مذهب أهل السنة، وإنما يذكرون مذاهب أهل الكلام والجدل.
(1) اكتفيت بذكر الأصول والمناهج النظرية للمرجئة دون التفصيل بذكر أسماء الفرق ورجالها ورأى كل فرقة أو رجل لأسباب:
1- أن هذا هو المقصود لذاته، وهو ضوابط علمية منهجية لا غنى عنها لا توجد إلا مفرقة فى بعض المصادر، بخلاف ما ذكرنا فهو ميسور فى كتب الفرق والمقالات. [2] - أن هذا التفصيل قد اعتنى به زميل لى هو الأخ الدكتور هادي طالبي الذى سجل موضوعه لنيل درجة التخصص العليا (الدكتوراه) فى فرق المرجئة.
3- أن الذين تعرضوا لذلك من المؤلفين في الفرق والمقالات، كالأشعري والبغدادى والملطى والشهرستانى والرازي والخوارزمى والإيجى والسكسكى قد ذكروا أسماء مختلفة ومتداخلة ومصحفة، ونسبوا لكل فرقة رأيا يصعب أحيانا التفريق بينه وبين رأى الفرقة الأخرى، أو بينها وبين مذاهب المخالفين للمرجئة، وتمحيص ذلك وتحقيق القول فيه مما يطول، فى حين أنه يجمعها أصل نظرى واحد هو إدخال أعمال القلب ما عدا الجهمية والمريسية والصالحية، ولهذا نجد شيخ الإسلام - على كثرة ما كتب فى الموضوع - يكتفى بذكر هذا الأصل ويحيل التفصيل إلى تلك الكتب كما سنرى - انظر الإيمان: 210، وهو فى الفتاوى (7/222) .
4- أن هذه الفرق اندثرت نظريا وواقعيا ما عدا الجهمية والمرجئة الفقهاء والحنفية - على ما سنفصله - والذى يهمنا فى تتبع الظاهرة هو الوجود الواقعى أو النظرى لا مجرد العرض التاريخى الذى هو وسيلة فقط. [2] وهو ما أطلقوا عليه بعد استخدام المصطلحات الفلسفية والمنطقية "الماهية"، وقالوا: إن للإيمان ماهية معينة لا تقبل التعدد ولا التبغض، وسيأتى بسط هذا فى فصل قريب.