شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو باطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى - صلى الله عليه وسلم - كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني " (1)
فهذا الموقف يرسم منهج التعامل مع الوحي المنسوخ، فكيف بالفكر البشري المحض الذي سماه الله تعالى (هوى وظناً وخرصاً وإفكا) وهي كلها أسماء يدخل في مسماها دخولا أوليا ما يسمى " الفلسفة الميتافيزيقية " وما تفرع عنها. وحسبك أن الله تعالى قال: «مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا» [الكهف: 51] .
فهذه الآية نسفت كل النظريات والفلسفات المخالفة للوحي - الكوني منها والإنساني - ووسمت أصحابها باسم (المضلين) ، وما كانوا دائما إلا كذلك!
وعلى هذا المنهج سار عمر بن الخطاب - نفسه - فإنه " لما فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتبا كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذن في شأنها وتنقيلها للمسلمين، فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ظلالا فقد كفانا الله! فطرحوها في الماء أو في النار ([2]) ".
وعليه كذلك كان موقف أئمة الإسلام وعلماء الملة، كالأئمة الأربعة ووكيع وابن المبارك والسفيانين والفضيل.
وغيرهم ممن سبقهم أو لحقهم [3] .
وعلى هذا ثبتت الطائفة المنصورة " أهل السنة والجماعة " في كل العصور، فقد تعرضت كتب الفلسفة والمنطق [4] للحرق والمصادرة في عصور متعاقبة [5] ، ولاحقها علماء الإسلام بالفتاوى المدمرة، حتى إن كتب الفقه سطرت أن الوقف إذا وقف على طلبة العلم لا يدخل فيه أصحاب الكلام [6] .
(1) حديث صحيح، رواه أحمد (3/ 387) [2] مقدمة ابن خلدون ص 480. [3] انظر: صون المنطق والكلام للسيوطي، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: فصل ذم الجدال والكلام. [4] وتسمى أيضا " علوم الأوائل " أو " علوم اليونان ". [5] كعصور المرابطين والأيوبيين. [6] انظر: شرح الطحاوية. بل نص بعضهم على جواز إزالة النجاسة بكتب الفلسفة والمنطق وإن كنت لا أراه احتراما للحرف العربي.