فهذان الركنان - القول والعمل - أو الأربعة الأجزاء - قول القلب وعمله وقول اللسان وعمل الجوارح - يتركب منهما هيئة مجتمعة أو حقيقة جامعة لأمور، هذه الهيئة والحقيقة هي "الإيمان الشرعي" كما أن حقيقة الإنسان مركبة من الجسد والروح أو العقل والوجدان، وكما أن الشجرة تتركب من الجذور الضاربة فى الأرض والساق والأغصان الظاهرة.
ومما يوضح ذلك تشبيه تركيب الإيمان بالتركيب الكيميائى: مثلما يتركب الملح مثلا من الكلور والصوديوم أو يتركب جزيء الماء من ذرتى هيدروجين وذرة أكسجين بحيث لو انتفى التركيب لانتفت الحقيقة مطلقا وتحولت الأجزاء إلى أشياء مختلفة تماما [1] .
ولكن لا يقف التركيب عند هذا الحد، بل يجب أن نضيف إليه أن هذه الأجزاء أو الهيئة المركبة تتكون تفصيلا من بضع وسبعين شعبة، وكل شعبة منها قابلة للتفاوت بين أعلى درجات الكمال وأدنى درجات النقص أو الاضمحلال والعدم.
وبهذا نفهم اندراج كل الأعمال والطاعات فرضا أو نفلا فى مسمى الإيمان المطلق ودخولها فى حقيقته الجامعة، كما يظهر تفاوت الناس فى الإيمان ودرجاته، ومن أظهر الأدلة على هذا التركيب والامتزاج أنه قد وردت النصوص بتسمية الإيمان عملا وتسمية العمل إيمانا:
فأما تسمية الأعمال إيمانا فنصوص كثيرة جدا، حتى أن البخارى رحمه الله عقد فى كتاب الإيمان من الصحيح تراجم كثيرة لذلك: مثل (باب الجهاد من الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان، باب صوم رمضان من الإيمان، باب الصلاة من الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان ... ) ونحو ذلك، وأورد فى ذلك الأحاديث الصحيحة التي شاركه فى إخراجها كتب السنة الأخرى.
وأما تسميه الإيمان عملا فقد عقد أيضا له (باب من قال أن الإيمان هو العمل، لقوله تعالى: «وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون» . [1] وسنبسط القول في هذا الباب الأخير