وقد سبق إيراد قول الإمام الأوزعي رحمه الله: " كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع كما يجمع هذه الأديان اسمها، ويصدقه العمل "، وقول الشافعي رحمه الله: " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ أحد الثلاثة إلا بالآخر " [1] .
ولنوضح ذلك بمثالين: أحدهما من أعمال الجوارح والأخر من أعمال القلوب، يظهر في كل منها حقيقة العلاقة التلازمية وحقيقة التفاوت:
1 - الصلاة:
وهي من أعمال الجوارح، وقد ورد تسميتها إيمانا في القران، قال تعالي: «وما كان الله ليضيع إيمانكم» أي صلاتكم إلى بيت المقدس [2] ، وهي بلا ريب أعظم شعب الإيمان العملية الظاهرة بعد الشهادتين، فلو تأملنا لوجدنا أنها تشمل أجزاء الإيمان الأربعة، وهي قول القلب: وهو إقراره وتصديقه بوجوبها، وعمل القلب: وهو الانقياد والإذعان بالإرادة الجازمة وتحريك الجوارح لفعلها والنية حال أدائها، وعمل اللسان: وهو القراءة والأذكار الواردة فيها، وعمل الجوارح: وهو القيام والركوع والسجود وغيرها.
2 - الحياء:
وهو عمل قلبي، وقد صح تسميته إيمانا في حديث الشعب وغيره، ومع ذلك فلا يمكن تصور وجوده في القلب إلا بظهور أثره على اللسان والجوارح، وبمقدار حياء الجوارح يقاس حياء القلب. وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، منها في الأفعال قصة الثلاثة الذين دخلوا علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو في الحلقة، فدخل أحدهم فيها وأعرض الثالث، وأما الأوسط فتردد ثم جلس خلفهم، فقال عنه النبي صلي الله عليه وسلم " وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا [1] ص188 وانظر جامع العلوم والحكم (1 / 57) والإيمان لابن تيمية ص280 ومبحث الإيمان حقيقة مركبة الآتي. [2] انظر الفتح (1/95) كما ورد تسميتها إيمانا في حديث وفد عبد الفيس السابق وغيره، ومع ذلك أخرج المرجئة الصلاة من الإيمان وأولو الآية بأن المراد ليس صلاتكم بل التصديق بها، انظر المواقف ص 386