12 - فبعد سنة ونصف تقريباً من بناء المسجد كانت معركة "بدر"، وهي أعظم وأعمق الأحداث في تلك المرحلة، بل ربما كانت أول مواجهة حربية بين كتيبة الإيمان وجيوش الشرك منذ المعركة التي خاضها طالوت وداود مع جالوت وجنوده [1] ، وهذا يعطيها قيمة كونية كبرى.
وليس المجال هنا مجال الحديث عن بدر وفضل من شهدها وقيمتها العظيمة تلك، وإنما المراد أن نقول: "إنه مع كل عظمة هذه الغزوة فإن قيمتها لا تتضح أبعادها الحقيقية إلا حين نعرف طبيعتها، وحين نراها حلقة من حلقات "الجهاد في الإسلام"، وحين ندرك بواعث هذا الجهاد وأهدافه، كذلك نحن لا ندرك طبيعة الجهاد في الإسلام وبواعثه وأهدافه قبل أن نعرف طبيعة هذا الدين ذاته" [2] .
إن هذه المعركة هي بداية مرحلة عليا من مراحل الجهاد، وهي مرحلة «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله» [3] . ومن مراحل الجهاد المتدرجة ـ ومن هذه المرحلة خصوصاً - "تتجلى سمات أصيلة وعميقة في هذا المنهج الحركي لهذا الدين" استنبط الأستاذ سيد قطب رحمه الله منها أربعاً:
* السمة الأولى: هي الواقعية الجديدة في منهج هذا الدين
فهو حركة تواجه واقعاً بشرياً، وتوجهه بوسائل مكافئة لوجوده الواقعي. إنها تواجه جاهلية اعتقادية تصورية تقوم عليها أنظمة واقعية عملية تسندها سلطات ذات قوة مادية.
ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع بما يكافئه، تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها، تلك التي تحول بين جمهرة الناس وبين التصحيح بالبيان للمعتقدات والتصورات، وتخضعهم بالقهر والتضليلل وتعبدهم لغير ربهم الجليل". [1] ومن التشابه بين المعركتين أن عدد المؤمنين فيهما بضعة عشر وثلاثمائة كما في صحيح البخاري (7/290) . [2] الظلال، الأنفال، ص 1431، طبعة الشروق. [3] نزلت هذه الآية ضمن آيات الغزوة، ونزل في أول السورة صفات المؤمنين الحقيقيين.