وأما حقيقة النفس الإنسانية، فغني عن البيان والإعادة أن نقول ان الإنسان لا يمكن أن ينفصل عمله عن همه وإرادته بحال؛ إذ الأعمال ما هى إلا الأثر الظاهر للهم والإرادة، ولا يتصور منافاتها لذلك مطلقا.
غير أن من المهم هنا أن نعرج على الحالة المعاكسة - أي حالة المنافق الذي يستسلم ظاهراً وهو غير منقاد باطناً -؛ لنبين أن ذلك لا يتعارض مع هذه الحقيقة؛ وذلك أن أعمال المنافق هي بلا ريب أثر ما في قلبه؛ فقد يقال: لم لم يتلازم الظاهر والباطن في حقه، إذ نراه على ظاهر يخالف باطنه؟
والجواب: إن القاعدة صحيحة، وأن التلازم ثابت؛ فإن الالتواء أو التذبذب الخارجي هو أثر الالتواء والتذبذب الباطني المطابق له، والمنافق في الواقع ونفس الأمر ليس منقاداً لا ظاهراً ولا باطناً، فهذا هو حكمه عند الله الذي يعلم الأمور على حقائقها.
ومخالفة ظاهره لباطنه إنما هي في علمنا البشرى القاصر، حيث يمكن أن يحجبنا بتصنعه وتكلفة أعمال الإيمان الظاهرة عما في قلبه من الكفر، ومع ذلك فليس الأمر على إطلاقه، فبصيرة المؤمنين لها أثر في معرفة المنافق، ولحن القول لا ينفك ينبئ عن المنافقين بين الحين والحين، كما أن اعوجاج المظهر من لوازمهم المعلمة عن حقيقة المخبر، ولولا وجود ضعاف الإيمان من غير المنافقين لكان أمرهم أجلى حداً، فأعمال المنافقين لا تشتبه وأعمال السابقين، وإنما تشتبه بأعمال هؤلاء.
ثانيا: بعض النصوص الشرعية في حكم ترك العمل:
وردت آيات وأحاديث كثيرة في أن العمل لا ينفك عن الإيمان الباطن، وأن العمل الصالح هو مناط النجاة فى الدنيا والآخرة، فهو الذي ينجي في الدنيا من سيف أهل الإيمان، وينجي يوم القيامة من عذاب النيران، ولم يعلق ذلك بأحد ركني الإيمان دون الآخر، إلا أن المنافق ينجو من السيف مادام نفاقه سراً، فإذا أظهره فهو الزنديق الذي تكلم العلماء في أحكامه بما لا يسعه المقام، وهذا دليل على التلازم والتركيب.