المتسلطين على رقاب العباد، المغتصبين لسلطان الله في الأرض، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان، وإلا فما كان أيسر عمل الرسل في إقرار دين الله في الأرض، وهذا عكس ما عرفه تاريخ الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - وتاريخ هذا الدين على مر الأجيال".
بل حتى الأفراد أنفسهم وهم الذين عبدوا أنفسهم لغير الله من الأوثان والطواغيت المختلفة ليس لدى أكثرهم استعداد لترك ما ألفته النفس وسار عليه الآباء والأجداد ويعيش عليه المجتمع كله لمجرد التبليغ والبيان، بل إن ما نفوسهم من حواجز الكبر والعناد والتمرد لا يقل عن الحواجز الضخمة التي يضعها البشر المتألهون دون شعوبهم المستعبدة.
وإزاء هذه الاعتبارات فإن "هذا الإعلان العام لتحرير (الإنسان) في الأرض من كل سلطان غير سلطان الله وإعلان ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين، لم يكن إعلاناً نظرياً فلسفياً سلبياً. إنما كان إعلاناً حركياً واقعياً وإيجابياً. إعلاناً يراد له التحقيق العملي في صورة نظام يحكم البشر بشريعة الله، ويخرجهم بالفعل من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده بلا شريك (ويظل يحرسهم من الانحراف ويسددهم للاستقامة على العبودية الخالصة لله وحده) ، ومن ثم لم يكن بد من أن يتخذ شكل "الحركة" إلى جانب شكل "البيان"، ذلك ليواجه الواقع البشري بكل جوانبه بوسائل مكافئة لكل جوانبه.
والواقع الإنساني - أمس واليوم وغداً - يواجه هذا الدين ـ بوصفه إعلاناً عاماً لتحرير الإنسان في الأرض من كل سلطان غير سلطان الله ـ بعقبات اعتقادية تصورية، وعقبات مادية واقعية، وعقبات سياسية واجتماعية واقتصادية وعنصرية وطبقية، إلى جانب عقبات العقائد المنحرفة والتصورات الباطلة، وتختلط هذه بتلك وتتفاعل معها بصوره معقدة شديدة التعقيد.
وإذا كان "البيان" يواجه العقائد والتصورات فإن "الحركة" تواجه العقبات المادية الأخرى، وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على العوامل الاعتقادية التصورية والعنصرية والطبقية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة المتشابكة، وهما معاً