الصفوف. ووضوح سمات النفاق وسمات الصدق في القول والفعل وفي الشعور والسلوك، ووضوح تكاليف الإيمان وتكاليف الدعوة إليه والكرة به، مقتضيات ذلك كله من الاستعداد بالمعرفة والاستعداد بالتجرد والاستعداد بالتنظيم والتزام الطاعة والاتباع بعد هذا كله، والتوكل على الله وحده في كل خطوة من خطوات الطريق، ورد الأمر إلى الله وحده في النصر والهزيمة وفي الموت والحياة، وفي كل أمر وفي كل اتجاه".
ولقد أنزل الله تعالى لبيان ذلك كله وعلاجه وتقريره ستين آية من سورة آل عمران [1] ، آيات مفصلات تبين حقيقة الإيمان ومقتضياته، وارتباط النصر أو الهزيمة بجزئياته التي قد لا يحسب لها كثير من الناس بل من الدعاة حساب.
ومن ثم لم يقف سياق هذه الآيات عند حدود المعركة القتالية ودروسها الحية، بل تعرض بوضوح وتفصيل لأعمال إيمانية كثيرة، ذلك أن "القرآن كان يعالج الجماعة المسلمة على أثر معركة لم تكن ـ كما قلناـ معركة في ميدان القتال وحده، إنما كانت معركة في الميدان الأكبر، ميدان النفس البشرية وميدان الحياة الواقعية، ومن ثم عرج على الرِّبا فنهى عنه، وعرج على الإنفاق في السراء والضراء فحض عليه، وعرج على طاعة الله ورسوله فجعلها مناط الرحمة، وعرج على كظم الغيظ والعفو عن الناس، وعلى الإحسان والتطهر من الخطيئة بالاستغفار، والتوبة وعدم الإصرار، فجعلها مناط الرضوان.
كما عرج على رحمة الله المتمثلة في رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم ولين قلبه، وعلى مبدأ الشورى وتقريره في أحرج الأوقات، وعلى الأمانة التي تمنع الغلول، وعلى البذل والتحذير من البخل في نهاية ما نزل في التعقيب على هذه الغزوة من آيات ...
عرج على هذا كله لأنه مادة إعداد الجماعة المسلمة للمعركة الكبرى في نطاقها الواسع، الذي يتضمن المعركة الحربية في إطاره ولا يقتصر عليها، معركة التعبئة الكاملة للانتصار الكبير، الانتصار على النفس والشهوات والمطامع والأحقاد، والانتصار في تقرير القيم والأوضاع السليمة لحياة الجماعة الشاملة.
وعرج على هذا كله ليشير إلى وحدة هذه العقيدة في مواجهة الكينونة البشرية ونشاطها كله، ورده كله إلى محور واحد، محور العبادة لله والعبودية له والتوجه إليه [1] من آية 121 إلى 179، وأنظر: الفتح، المغازي (7/347) .