شرع الله وحكمه على شرع الله وحكمه، أو يصرح بلسانه أنه يقصد الكفر ويعتقده، وأنه مستحل للحكم بغير ما أنزل الله!!
فمرجئة عصرنا أكثر غلوا من جهة أنهم لم يحكموا له بشيء من أحكام الكفر لا ظاهرا ولا باطنا، وأولئك لم يخالفوا في إجراء الأحكام الظاهرة عليه، لكن جوزوا إيمانه باطنا فقالوا: لو قتلناه لأنه سب الله ورسوله فهذا السب دليل على كفره، وهو يوجب علينا تكفيره وقتله في أحكام الدنيا لكن إن كان في قلبه مقرا بصدق الرسول فهو مؤمن ناج عند الله، أما هؤلاء فيحكمون بإيمان من ذكرنا مثاله ظاهرا وباطنا ولا يرونه مستوجبا لحد فضلا عن تكفيره، بل يصرحون له بالموالاة والتأييد!!
وهذا من أعظم المصائب التي ابتليت بها الدعوة الإسلامية في عصرنا، ومن أشدها مدعاة لإيضاح عقيدة أهل السنة والجماعة وبيانها للعامة والشباب [1] لاسيما معرفة حقيقة الإيمان المركبة من الاعتقاد والامتثال، وتطبيق لوازم ذلك ومقتضياته على الواقع، وهي الحقيقة التي نرجو أن نكون قد أوضحنا الأدلة عليها فيما سبق.
وقد أوجزها العلامة ابن القيم في كلمات ميسرة فقال: "الإيمان حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علما، والتصديق به عقدا، والإقرار به نطقا، والانقياد له محبة وخضوعا، والعمل به باطنا وظاهرا وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان، وكماله في الحب لله والعطاء لله والمنع لله [2] .
وإذ قد بينا حقيقة الإيمان المركبة من جهة دلالة النصوص، فقد بقى أن نكمل ذلك فنبين صحة ذلك وصوابه من جهة البراهين النظرية الواضحة مناقشين لشبه المخالفين فيها، وهذا على قسمين:
الأول: بيان فساد مذهب المعتزلة والخوارج والمرجئة بالتفريق بين الحقيقة الواحدة المشتركة التي أدعوها، وبين الحقيقة المركبة التي أوضحناها، وحكم المعصية عند كل بحسب.
الثاني: بيان مأخذ السلف البرهاني في قولهم بأن تارك العمل مطلقا لا إيمان له. [1] على أن مما يبشر بالخير أن عقيدة أهل السنة فى الإيمان بدأت تنتشر لدى الشباب والأتباع، ونسأل الله أن يهدى القادة والزعماء. [2] الفوائد، ص107.