واحترز في آخر كلامه ممن قد يعمل أعمال الإيمان لكن بغير قصد التعبد والإيمان فقال: "قد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات، (إلا أن يؤديها) [1] لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يؤدى الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يخرج بذلك من الكفر، فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ... " [2] .
وقد فصل هذا القول في الإيمان كما فصله ابن القيم "في الصلاة" ونحن ننقل كلامه في الإيمان الذي قاله تعقيبا على ما قاله علماء السلف كعطاء ونافع والحميدي والشافعي وأحمد من تكفير تارك جنس العمل - قال "وإنما قال الأئمة بكفر هذا، لأن هذا فرض ما لا يقع، فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئا مم أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة ونكاح الأمهات وهو مع ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه ... " [3] . ولهذا فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن الرجل إذا كان مقرا بوجوب الصلاة فدعي إليها وامتنع واستتيب ثلاثا مع تهديده بالقتل، فلم يصل حتى قتل - هل يموت كافرا" أو فاسقا"؟ على قولين.
وهذا الفرض باطل فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه وأنه يعاقبه على تركها، ويصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، لا ينتهي الأمر به إلى القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه [1] زيادة يقتضيها الكلام. [2] المصدر السابق نفسه، ص621. [3] هنا عرج على مذهب الحنفية وتوسعهم فى التكفير بالألفاظ مع قولهم: إن العمل لا يدخل فى الإيمان.