فهؤلاء لم يكفروا لأنهم كذبوا بالله ورسوله واليوم الآخر ولا لأنهم كذبوا الرسل فى قولهم إن الله حرم السحر، ولا لأنهم اعتقدوا حل السحر أو فضلوه على كتاب الله ولكنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كما فى الآية التي قبلها أى تركوا العمل به واختاروا ما يعلمون ويعتقدون قطعا أنه مفضول بل كفر وخيم العاقبة على ما يعلمون قطعا أنه فاضل بل حق محض، وبهذا حكم الله عليهم بالكفر ونفى عنهم الإيمان والتقوى.
قال شيخ الإسلام: فهؤلاء الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون أنه لا خلاق لهم فى الآخرة ومع هذا فيكفرون [1] .
فلو قدرنا أن من يحكمون بالقوانين الوضعية لم يزيدوا على هؤلاء شيئا بل غاية فعلهم أنهم تركوا العمل بكتاب الله واتبعوا ما تقرره شياطين التشريع فى الشرق والغرب وحذروا الناس من التحاكم إلى هذه القوانين وبينوا لهم أنها كفر واعتقدوا أن مصيرهم إلى النار إن فعلوا ذلك لكنهم ظلوا يشرعونها ويحكمون بها؟ فهل يكون حكمهم شيئا سوى الكفر!!
فكيف وهؤلاء كما يعلم الناس بالتواتر لا يحذرون من قوانينهم بل ولا يقولون إن أصحابها من أهل النار ولا أن الشريعة أفضل منها - مجرد قول مع أنه غير نافع - بل يفخرون بإصدارها ويجعلون ذلك عيدا أو شبه عيد ويحاربون من دعاهم إلى تحكيم الشرع أيما محاربة ويقولون بأنفسهم أو بأبواقهم إن الشريعة قاصرة عن ملائمة الحياة وأن أحكامها لا تصلح لهذا العصر ويقولون إن تحكيم هذه القوانين يحقق المصلحة الوطنية والخير والتقدم وحسن العاقبة.. الخ ما يتردد على ألسنة الزعماء وأعضاء المجالس التشريعية والصحفيين وسائر وسائل الإعلام!!
فكيف يقال مع هذا إن هؤلاء لا يكفرون إلا إذا كذبوا أو جحدوا الوجوب أو استحلوا، أو فضلوا أو ساووا.. ونحو ذلك من العبارات التي تدل على شئ واحد وهو أن يضموا إلى هذا النوع من الكفر نوعا آخر منه. [1] مجموع الفتاوى (7/559) .