فالإنسان له إرادة دائما، وكل إرادة فلابد لها من مراد تنتهي إليه، فلابد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهي حبه وإرادته.
فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته، بل استكبر عن ذلك فلابد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله. فيكون عبداً لذلك المراد المحبوب؛ إما المال، وإما الجاه، وإما الصور [1] ، وإما ما يتخذه إلهاً من دون الله، كالشمس والقمر والكواكب والأوثان وقبور الأنبياء والصالحين، أو من الملائكة والأنبياء الذين يتخذهم أرباباً أو غير ذلك مما عبد من دون الله" [2] .
وكما أن أحداً لا يخلو من كفر أو إيمان، فكذلك الحال في تفصيلات الإيمان وشعبه، فإن الله شرع للنفس من التعبد ما يستغرق كل حركاتها وإراداتها، فما لم تتعبد بشيء منها وقعت لا محالة في ضده من البدعة أو المعصية، وأقل ما تقع فيه ترك الأولى واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير والغفلة عن الذكر.
"وهكذا أهل البدع لا تجد أحداً ترك بعض السنة التي يجب التصديق بها والعمل إلا وقع في بدعة، ولا تجد صاحب بدعة إلا ترك شيئا من السنة، كما جاء في الحديث: "ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها" [3] .
وقد قال تعالى: «فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ» [المائدة: 14] .
فلما تركوا حظا مما ذكروا به اعتاضوا بغيره فوقعت بينهم العداوة والبغضاء.
وقال تعالى: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» [طه:123، 124] .
وقال: «اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» [الأعراف: [3]] .
فأمر باتباع ما أنزل ونهى عما يضاد ذلك وهو اتباع أولياء من دونه، فمن لم يتبع أحدها اتبع الآخر، ولهذا قال: «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» [النساء: 115] . [1] أي مظاهر الجمال [2] العبودية، ص 111- 112، تحقيق عبد الرحمن الباني. [3] رواه الإمام أحمد.