ومنشأ عدم الانفكاك أن الافتقار الذاتي ملازم للوجود الإنساني شامل للحياة كلها؛ طولا: من لحظة الميلاد - بل من قبله - إلى لحظة الممات، وعرضاً: مهما اتسعت الإرادات والمطامع والأعمال.
ولما كانت أعمال القلوب هي الأصل في حركة الإنسان وسعيه، كانت موضع التعبد الأصلي، ومحط نظر المعبود من العباد: " التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره ثلاث مرات " [1] . " إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " [2] .
فإذا تذكرنا ما سبق تقريره من أن الله عز وجل - بلطفه وحكمته - أنزل الدين متسقا مع حقيقة النفس الإنسانية مساويا لفطرتها السوية علمنا أنه لا شيء من أعمال القلوب يقع خارج مجال التعبد بحال من الأحوال.
ومن ثم انقسم الناس من حيث الأصل فريقين:
1- مؤمن يعبد الله وحده.
2- مشرك يعبد غير الله معه أو من دونه.
وهذا - كذلك - هو السر في كون الإيمان درجات متفاوتة في قلوب الفريق الأول.
وهذا الإجمال يتضح بالفقرة التالية التي نريد بها العبور من الحقيقة النفسية إلى الحقيقة الشرعية.
إن ما سبق تقريره بشأن الافتقار الذاتي وتفرع أعمال القلوب عنه، هو وصف للحقيقة الإنسانية من حيث هي - مؤمنة أو كافرة - ولهذا نجده مشتركا بين فريقي البشر يحسه كل إنساني في نفسه سواء أعرب عنه لسانه أم عجز.
ولكن نقطة الالتقاء هذه يتفرع عنها طريقان مختلفان تمام الاختلاف - طريق الإيمان وطريق الكفر!
وهذا مثله كمثل عربتين تزودتا بوقود واحد وقادهما قائدان متماثلان في الخبرة والدراية. ولكن إحداهما انطلقت ذات اليمين والأخرى ذات الشمال. [1] رواه مسلم، رقم (2564) [2] المصدر نفسه، رواية أخرى