نام کتاب : عقيدة التوحيد في القرآن الكريم نویسنده : ملكاوي، محمد خليل جلد : 1 صفحه : 309
وأرى ضرب مثال يوضح استدلال المتكلمين على حدوث الأجسام بحدوث الأعراض, وهو مثال خلق الإنسان.
إن المتكلمين لا يجعلون خلق الإنسان نفسه دليلًا على الله تعالى كما في آيات القرآن، بل جعلوا خلق الإنسان مستدلًّا عليه وأخذوا يقيمون الأدلة على أن الإنسان مخلوق عن طريق استدلالهم بحدوث أعراض النطفة, فيقولون بأن الإنسان وغيره مكون من جواهر فردة، وخَلْق الإنسان وغيره إنما هو إحداث أعراض في تلك الجواهر المنفردة بجمعها وتفريقها، وليس هو إحداث عين الإنسان أو عين الأجسام الأخرى، وبما أن النطفة لم تخل عن اجتماع وافتراق وهما عَرَضان حادثان فلم يخل الإنسان إذن من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها فثبت أن الإنسان مخلوق، وبما أنه لم يخلق نفسه فثبت أن له خالقًا.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لكن هؤلاء الذين استدلوا بخلق الإنسان فرضوا ذلك في الإنسان ظنًّا أن هذه طريقة القرآن وطولوا في ذلك ودققوا, حتى استدلوا على كون عين الإنسان وجواهره مخلوق لظنهم أن المعلوم بالحس وبديهة العقل إنما هو حدوث أعراض لا حدوث جواهر, وزعموا أن كل ما يحدثه الله من السحاب والمطر والزرع والثمر والإنسان والحيوان فإنما يحدث فيه أعراضًا وهي جمع الجواهر التي كانت موجودة وتفريقها.
وزعموا أن أحدًا لا يعلم حدوث غيره من الأعيان بالمشاهدة ولا بضرورة العقل, وإنما يعلم ذلك إذا استدل كما استدلوا فقالوا: هذه أعراض حادثة في جواهر وتلك الجواهر لم تخلُ من الأعراض لامتناع خلو الجواهر من الأعراض، ثم قالوا: وما لم يخل من الحوادث فهو حادث.. ولهذا كانت هذه الطريقة باطلة عقلًا وشرعًا وهي مكابرة للعقل؛ فإن كون الإنسان مخلوقًا محدثًا كائنًا بعد أن لم يكن أمر معلوم بالضرورة لجميع الناس، وكل واحد يعلم أنه حدث في بطن أمه بعد أن لم يكن, وأن
نام کتاب : عقيدة التوحيد في القرآن الكريم نویسنده : ملكاوي، محمد خليل جلد : 1 صفحه : 309