والخزرج فإنهم آووا الرسول وأصحابه المهاجرين في منازلهم ونصروا نبي الله عليه الصلاة والسلام لمقاتلة أعداء الدين، ثم بين ـ سبحانه ـ الولاء والتلاحم الثابت بين المهاجرين والأنصار بقوله: {أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أي: في النصرة والمساعدة. وهذا مما يؤكد قطع المولاة بينه وبين الكفار والآية الأخيرة من الآيات السابقة أخبر تعالى عنهم بحقيقة الإيمان وأنه ـ سبحانه ـ سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن ذنوبهم إن وجدت وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف الدائم الأبدي المستمر الذي لا ينقطع ولا ينقص، ولا يسأم ولا يمل لتنوعه وحسنه.
قال العلامة ابن كثير عند قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} الآية: ذكر تعالى أصناف المؤمنين وقسمهم إلى مهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم وجاءوا لنصرة الله ورسوله وإقامة دينه، وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك. وإلى أنصار وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم وواسوهم في أموالهم ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم فهؤلاء بعضهم أولياء بعض ... وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} بل أقاموا في بواديهم فهؤلاء ليس لهم في المغانم نصيب ولا في قسمها إلا ما حضروا فيه القتال. أ. هـ1
قال أبو عبد الله القرطبي عند قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} الآية: "حقاً" مصدر أي: حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة وحقق الله إيمانهم بالبشارة في قوله: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي: ثواب عظيم. أ. هـ2
والمقصود أن الآيات المتقدمة اشتملت على الثناء الحسن على عموم الصحابة
1ـ تفسير القرآن العظيم 3/351-352.
2ـ الجامع لأحكام القرآن 8/58