نام کتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني نویسنده : الآلوسي، محمود شكري جلد : 1 صفحه : 37
أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [1] فالكثرة على خلاف الحق لا تستوجب العدول عن اتباعه لمن كان له بصيرة وقلب، فالحق أحق بالاتباع وإن قلَّ أنصاره، كما قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [2]. فأخبر الله سبحانه عن أهل الحق أنهم قليلون غير أن القلة لا تضرهم، وما أحسن قول القائل 3:
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها إن الكرام قليل
والمقصود؛ أن من له بصيرة ينظر إلى الدليل، ويأخذ بما يستنتجه البرهان وإن قلّ العارفون به والمنقادون له، ومن أخذ ما عليه الأكثر وما أَلِفَتْهُ العامة -كما هو ديدن الغلاة وعادتهم من غير نظر لدليل -فهو مخطىء سالك غير سبيل المؤمنين، متبع سنن الجاهلية، مقدوح عند أهل البصائر، وهذه مكيدة عظيمة للغلاة، ولذلك ترى النبهاني لم يزل يردّد في كتابه هذا القول في تصحيح عقائده، ويقول: ما نحن عليه مذهب الجمهور، ومقصوده جمهور العوام الذين هم كالأنعام.
ومن خصائصهم: الاستدلال على بطلان الشيء بكونه غريباً، فرد الله تعالى ذلك بقوله: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [4].
ومعنى الآية: (فلولا كان) تحضيض فيه معنى التفجّع، أي: فهلاّ كان (من القرون) أي: الأقوام المقترنة في زمان واحد (من قبلكم أولوا بقية) أي: ذوو [1] سورة الأنعام: 116- 117. [2] سورة ص: 24.
3 القائل هو السموأل، وتمام البيت:
وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل [4] سورة هود: 116.
نام کتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني نویسنده : الآلوسي، محمود شكري جلد : 1 صفحه : 37