نام کتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني نویسنده : الآلوسي، محمود شكري جلد : 1 صفحه : 554
ذكرنا في غير هذا الموضع أن قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [1] في المتشابهات قولان: أحدهما أنها آيات بعينها تتشابه على كل الناس، والثاني: وهو الصحيح- أن التشابه أمر نسبي فقد يتشابه عند هذا ما لا يتشابه عند غيره، ولكن ثم آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد، وتلك المتشابهات إذا عرف معناها صارت غير متشابهة، بل القول كله محكم، كما قال: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [2] وهذا كقوله: "الحلال بيّن والحرام بيّن، وبين ذلك أمور لا يعلمهن كثير من الناس"[3] وكذلك قولهم: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [4].
وقد صنف أحمد كتاباً في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولوه على غير تأويله، وفسر تلك الآيات كلها، وذمهم على أنهم تأولوا ذلك المتشابه على غير تأويله، وعامتها آيات معروفة قد تكلم العلماء في تفسيرها، مثل الآيات التي سأل عنها نافع بن الأزرق لابن عباس، قال الحسن البصري: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت وماذا عنى بها، ومن قال من السلف إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله فقد أصاب أيضاً، ومراده بالتأويل ما استأثر الله بعلمه، مثل وقت الساعة، ومجيء أشراطها، ومثل كيفية نفسه، وما أعده في الجنة لأوليائه، وكان من أسباب نزول الآية احتجاج النصارى بما تشابه عليهم، كقوله: (أنا) و (نحن) وهذا يعرف العلماء أن المراد به الواحد المعظم الذي له أعوان، لم يرد به أن الآلهة ثلاثة، فتأويل هذا- الذي هو تفسيره- يعلمه الراسخون، ويفرقون بين ما قيل فيه (أنا) وما قيل فيه (إنا) بدخول الملائكة فيما يرسلهم فيه إذ كانوا رسله، وأما كونه هو المعبود الإله فهو له وحده، ولهذا لا يقول فإيانا فاعبدوا، ولا إيانا فارهبوا، بل متى جاء الأمر بالعبادة والتقوى والخشية والتوكل ذكر نفسه وحده باسمه الخاص، وإذا ذكر الأفعال التي يرسل فيها [1] سورة آل عمران: 7. [2] سورة هود: 1. [3] أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599) . [4] سورة البقرة: 70.
نام کتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني نویسنده : الآلوسي، محمود شكري جلد : 1 صفحه : 554