البقعة. فإن الله سماه "الوادي المقدس، والبقعة المباركة". وكلّم كليمه موسى -عليه السلام- هناك، وهذا هو الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، ومن أراد بسط القول في ذلك والجواب عما يعارضه، فعليه بما كتبه شيخ الإسلام مجيبا لابن الأخنائي[1] فيما اعترض به على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأخذ به العلماء وقياس الأولى; لأن المفسدة في ذلك ظاهرة.
وأما النهي عن زيارة غير المساجد الثلاثة فغاية ما فيها: أنها لا مصلحة في ذلك توجب شد الرحال، ولا مزية تدعو إليه. وقد بسط القول في ذلك الحافظ محمد بن عبد الهادي في كتاب الصارم المنكي في رده على السبكي، وذكر فيه علل الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم وذكر هو وشيخ الإسلام -رحمهما الله تعالى- أنه لا يصح منها حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، مع أنها لا تدل على محل النزاع؛ إذ ليس فيها إلا مطلق الزيارة، وذلك لا ينكره أحد بدون شد الرحال، فيحمل على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شرك ولا بدعة.
قوله: "رواه في المختارة" المختارة: كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين.
ومؤلفه: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ضياء الدين الحنبلي أحد الأعلام. قال الذهبي: أفنى عمره في هذا الشأن مع الدين المتين،
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية براءة.
الثانية: إبعاده أمته عن هذه الحمى غاية البعد.
الثالثة: ذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته.
الرابعة: نهيه عن زيارة قبره على وجه مخصوص، مع أن زيارته من أفضل الأعمال.
الخامسة: نهيه عن الإكثار من الزيارة.
السادسة: حثه على النافلة في البيت.
السابعة: أنه متقرر عندهم أنه لا يصلى في المقبرة.
الثامنة: تعليله ذلك بأن صلاة الرجل وسلامه عليه يبلغه وإن بعد، فلا حاجة إلى ما يتوهمه من أراد القرب.
التاسعة: كونه صلي الله عليه وسلم في البرزخ تُعرَض أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه[2].
والورع والفضيلة التامة والإتقان. فالله يرحمه ويرضى عنه.
وقال شيخ الإسلام: " تصحيحه في مختاراته خير من تصحيح الحاكم بلا ريب". مات سنة ثلاث وأربعين وستمائة. [1] قاضي المالكية في عصره, والرد عليه مطبوع بهامش الرد على البكري، على نفقة جلالة الملك الصالح المصلح: الملك عبد العزيز آل سعود. أدام الله تأييده ونصره. [2] يريد المصنف -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرض عليه من أعمالنا إلا الصلاة والسلام عليه فقط, لا كما يظنه المبتدعون أن كل الأعمال تعرض عليه، فإن وجد خيرا حمد الله، وإن وجد غير ذلك استغفر, مستدلين على ذلك بحديث: أوهى من بيت العنكبوت، ومعرضين عن صحاح النصوص من الكتاب والسنة التي رواها البخاري ومسلم.